وأما الذين فرّطوا فإنهم أيضا كثير. وسبب تفريطهم أيضاً وسوسة من الشيطان حتى يبطل بذلك عملهم، فترى أحدهم إذا غسل وجهه لا يبالغ ولا يسبغ الوضوء فيبقى في وجهه أشياء لم يأت عليها ماء، وإذا غسل يديه أو رجليه غسل بسرعة ومسح مسحا، ولا يبالي، فكثيرا ما يبقى في بدنه بقع، في رجليه، وفي عقبيه، لا يسبغ ذلك ولا يتعاهد. فهؤلاء ممن فرطوا وجفوا وقصروا في باب الطهارة، وكثيراً ما ننصح هؤلاء أن يسبغوا الوضوء ويتعاهدوه، حيث إن الشرع قد ورد بالأمر بالإسباغ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لما عدد الخصال التي يرفع الله بها الدرجات ويمحو بها الخطايا قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط" رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة. وهكذا أيضاً حثنا أن نتعاهد ما قد ينبو عنه الماء من الجسد ومن القدمين خاصة، في قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب من النار". وفي رواية "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" متفق عليه. فالذين يغسلون غسلا خفيفا ولا يتعاهدون أقدامهم كثيراً ما يكون في مؤخر أقدامهم بقعة لم يمسها الماء، فتبطل بذلك الطهارة. فهؤلاء مفرطون، حيث إنهم نقصوا في الطهارة. أولئك زادوا وغلوا وتجاوزوا، وهؤلاء نقصو وقصروا. ودين الإسلام جاء بالوسط، وهو أن الإنسان يتوضأ وضوءا مسبغا فيكتفي بغسلة واحدة مسبغة كافية للعضو، وإذا زاد غسلة ثانية فهي أفضل، وإذا زاد غسلة ثالثة فهي أفضل منهما. ولا يجوز الزيادة على الثلاث. بل الزيادة على الثلاث تعتبر إسرافا وإفساداً وغلوا، فكيف بالذين يغسلون العشرات، هذا هو التوسط في هذا الباب.