والطائفة الثانية هم الذين لا يرون لعباد الله الصالحين قدرا، ولا يقيمون لهم وزنا، فلا يحبونهم، ولا يتبعونهم، ولا يقتدون بهم، ولا يتبعون سيرتهم، ويحقرون شأنهم، ويحتقرونهم في أعمالهم، ويعتقدون أنهم -كما يعبرون- أهل تشدد أو أهل جمود، أو أهل رجعية أو تقهقر، أو ما أشبه ذلك من عباراتهم السيئة، فهؤلاء قد فرطوا، وأولئك قد أفرطوا وزادوا، فجاء أهل السنة فتوسطوا في باب أمر أولياء الله تعالى، فقالوا: نحن نحبهم، لأن الله تعالى يحبهم، بل ونحب كل من يحبه الله من الصالحين والمؤمنين والأتقياء، ولكن محبتنا لهم لا تصل إلى أن نتمسح بتربتهم، ولا تصل المحبة إلى أن نصرف لهم شيئاً من حق الله، أو أن نذبح لهم أو أن نطوف بأضرحتهم، أو ندعوهم مع الله أو دون الله. بل محبتنا لهم تستدعي أن نبحث عن سيرتهم وسنتهم فنعمل بها، حتى نكون مثلهم، فإذا رأينا أنهم يتهجدون بالليل تهجدنا، وإذا ذُكِرَ لنا أنهم يكثرون من القراءة والخشوع أكثرنا من ذلك، وإذا كان من سيرتهم أنهم يدعون الله ويرغبون إليه دعونا الله كذلك، وإذا كانوا يذكرون الله على كل حال ذكرنا الله كذلك، حتى نكون أولياء كما كانوا أولياء، فإنهم بشر كما نحن بشر، فكيف نسمح لأنفسنا أن نكون دونهم، بل نحبهم وتحملنا محبتهم على أن نعمل بعملهم، وأن نصلح من أعمالنا ما أصلحوه، فكلهم نحبهم وتحملنا محبتهم على أن نقتدي بأفعالهم. فإذا كنا كذلك فإننا متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء، لا إفراط ولا تفريط. فهكذا جاء دين الإسلام فالذين غلوا وزادوا وقعوا في الشرك، وذلك لأنهم عظموا هؤلاء المحبوبين، وجعلوا لهم شيئاً من حق الله أو صرفوا لهم ما لا يصلح إلا لله. فإن التعظيم عبادة والعبادة لله وحده، لأن العبادة هي التذلل، فإذا كانوا يتذللون عند تلك الأضرحة ويخضعون ويخشعون، فذلك عبادة. وإذا كانوا يذبحون لها وينذرون فذلك تعظيم وعبادة، وإذا كانوا يدعونهم ويهتفون بأسمائهم فإن الدعاء مخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015