ورُوي أن علياً قال: "من قدر على الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً".
ولعل هذا صدر على سبيل التهديد والوعيد، أو لعلَّه فيمن تركه مع القدرة عليه زُهداً فيه ورغبةً عنه، أو عدم اهتمام بهذا الركن، أو تساهلاً وتهاوناً به، أو انكاراً لشرعيته، أو للحِكَم التي تترتب عليه، أو نحو ذلك، ولا شك أن هذا انتقاص للإسلام.
وقد كان الحج إلى بيت الله العتيق قديماً قبل الإسلام، فقد رُوي أن الأنبياء قد حجوا هذا البيت، وقد روي في ذلك آثار وأحاديث، وكذلك رُوي أن الملائكة طافت به قبل أن يُخلق آدم، والله تعالى قد أمر إبراهيم ببناء هذا البيت، وأمره بالنداء إليه بقوله تعالى: ((وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)) (الحج:27) . وظاهر ندائه أنه كما روي في بعض الآثار: "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فدلّ هذا على أن الحج واجب، فقوله: "كُتِبَ عليكم" أي: فرض عليكم، كما في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)) (البقرة:183) . أي: فُرِض عليكم الصيام.
فإذا عرفنا أن الحج أحد أركان الإسلام، وأن الله تعالى أتم به الدين، وعرفنا أنه لازم وواجب، فعلى كل مسلم إذا تمت فيه الشروط المعروفة أن يأتي لهذا البيت المعظم، ملبياً نداء الله إليه، فإن من تركه تهاوناً فإنه متعرض للوعيد الشديد؛ سيما وقد فرضه النبي عليه الصلاة والسلام وبيَّنه وأتمه، وقال للناس لما وقف بهم في المشاعر: "خذوا عني مناسككم" ولما وقف بعرفة أنزل الله عليه: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) (المائدة:3) . أي: في ذلك اليوم الذي تمت فيه المناسك والمشاعر وتمت فيه أركان الإسلام، وكان به تمام الدين وكماله، وفيه إتمام لسنة الله عز وجل ورضاه بأن يكون الإسلام دينهم، فهذا كله دليل على أن الحج فرض وواجب.