بِحُرْمَتِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَلِهَذَا مُنِعُوا مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ مُشَارَكَةِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَلِيَ أَمْرَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُعَامِلُونَ بِالرِّبَا وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَمُنِعُوا مِنْ الِانْفِرَادِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ يَلِيهَا فَلَا بَأْسَ، وَإِيوَاءُ الْجَاسُوسِ وَكِتْمَانُ الْعَيْنِ مِنْ أَضَرِّ الْأَشْيَاء وَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ كُلِّ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارُ الشِّرْكِ وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ وَمَنْعُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فِيهِ ذَلِكَ وَزِيَادَةُ الِاسْتِعْلَاءِ وَالْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَتَوْقِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالْخَوَلِ لَهُمْ.
وَمَنَعَ التَّشَبُّهَ بِهِمْ فِي لِبَاسِهِمْ لِيَنْزِلُوا مَنْزِلَةَ الْإِهَانَةِ وَلَا يَخْرُجُوا مِنْهَا إلَى مَرْتَبَةِ التَّعْظِيمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وَلِأَنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا نُخَالِفُ لَهُ وُجُوبَ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِ وَمُعَادَاةِ الْكَافِرِ وَمُبَايَنَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ وَلَيْسَ إلَّا الزِّيُّ وَلِأَنَّهُ إذْلَالٌ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ لِيَكُونَ ذَرِيعَةً لَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَخَشُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزٍ وَالنَّاظِرُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَمْنُوعٌ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ فِي الْوِلَايَاتِ وَكَانَتْ عَادَةُ الْيَهُودِ الْعَسَلِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَصْفَرُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَعَادَةُ النَّصَارَى الْأَدْكَنُ، وَهُوَ الْفَاخِتِيُّ وَالْآنَ صَارَتْ عَادَةُ النَّصَارَى الْأَزْرَقُ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102] وَعَادَةُ الْيَهُودِ الْأَصْفَرُ عُمِلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْقَرْنِ حِينَ كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَاضِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَلَوْ جُعِلَ غَيْرُ الْأَصْفَرِ كَانَ أَوْلَى فَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ أَبِي يَعْلَى أَنَّ الْأَصْفَرَ مِنْ الْأَلْوَانِ يُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهُ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ زِيُّ الْأَنْصَارِ وَبِهِ كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَجَالِسَ وَالْمَحَافِلَ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى نَصَارَى الشَّامِ أَنْ لَا يَلْبَسُوا عَصَبًا وَلَا خَزًّا فَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فَسَلَبَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ.
وَالْعَصَبُ هُوَ الْبُرْدُ الْيَمَانِيُّ يُسَاوِي ثَوْبٌ مِنْهُ دِينَارَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرْدٌ يَمَانِيٌّ خَلَعَهُ عَلَى كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ فَبَاعَهُ لِمُعَاوِيَةَ وَتَدَاوَلَتْهُ الْخُلَفَاءُ يَتَوَارَثُونَهُ. وَالْخَزُّ هُوَ الْفَاخِرُ مِنْ الثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّ فِيهِ عِزًّا بَلْ تَكُونُ عِيَارُهُ مَصْبُوغًا بِالشَّبِّ وَالزَّاجِّ،