ومع هذا كله فالملك والرعية أمانة ومن تقلد ذلك فقد أوجب على نفسه ضمانه فليجتنب خيانته ولا يشين بها أمانته قال صفوة الله تعالى وخيرته من بريته كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته ومصداقه قول رب العالمين وملك الملوك والسلاطين وهو أصدق القائلين أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أنه كان ظلوماً جهولاً فاعلم يا ملكاً أعطي الزمان أمانه أن هذا الملك الذي بيدك هو من جملة الأمانة التي أشفق السموات والأرض الجبال وأبين أن يحملنها خوفاً من النكال والوبال وخشية أن لا يفين بحقوق حملها أو يضعنها في غير محلها فيعاقبن أو بالعتاب يخاطبن فتعففن عن الرغبة في الثواب خوفاً من العتاب والعقاب وعملن بموجب ما قيل:
هجرتك لا قلى مني ولكن ... رأيت بقاء ودك في الصدود
كهجر الحائمات الورد لما ... رأت أن المنية في الورود
تفيض نفوسها ظمأ وتخشى ... حماماً فهي تنظر من بعيد
تصد بوجه ذي البغضاء عنه ... وترمقه بالحاظ الودود
ثم حمل هذه الأمانة بنو آدم لما قدره وقضاه العلي العظيم في سابق القدم ولما فيها من أحكام وحكم وأن الصادق المصدوق أخبر فيما روى عنه أبو ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر أنك ضعيف وأنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها فمن جملتها الصلاة والصوم والزكاة والوضوء والاغتسال ومراقبة ذي الجلال في السر والإعلان بقدر الطاقة والإمكان وعلى هذا جميع الطاعات وأنواع