ولا من يحي نشر آثارنا إذا طوى الموت بساط أعمارنا وقد قضينا العمر في الانكاد بفراق الأولاد ثم بعد الحياة ينمحي اسمعنا ويندرس بالكلية رسمنا فلا حياة هنية ولا أخرى رضيه وأي هناء مع فراق قرة العين خصوصاً على وجه المذلة والشين ومالنا نظير في هذا الدهر المبير إلا من جمع المال من حلهوغير حله وتركه بعد الكد البليغ والحرص إلى غير أهله فيصير كما قيل:
تؤديه مذموماً إلى غير حامد ... فيأكله عفواً وأنت دفين
ولا طاقة لنا في دفع جيش العقاب ولا حيلة إلى الخلاص من عقاب هذا العقاب فذهب أكثر العمر في هذا الويل وأشبهنا النائم على طريق السيل وإن غفلنا عن أنفسنا ربما اجتاحونا وطرحونا إلى مهلكة تدير علينا من العدم طاحونا فالرأي عندي أن نترك هذا الوطن ونرحل إلى مكان لا نرى فيه هذه المحن فانه لم يبق طاقة على فراق الولد ولا قلب يحتمل هذا الحزن والنكد:
ذاب قلبي بين دمع وضرم ... فارحموني أنا من لحم ودم
وذاك لأن المرء يحيا بلا رجل ويد ولا تلقاه يحيا بلا كبد قالت لقد أعربت عما في فكري وشرحت ما كان يجول في صدري وهذه محنة قد أعياني في دائها الدواء وبلاء عمنا فكلنا فيه سواء:
المرء يحيا بلا ساق ولا عضد
ولا يعيش بلا قلب ولا كبد
بي مثل ما بك يا حمامة فاندبي
وقد قلت:
ولم يعرف حرارة ما اعني ... سوى قلب كواه ما كواني
وأنا لم أخل قط في وقت من هذا الفكر الذي أوجبه الهم والمقت وأعلم أن سهام آراء العقلاء ونبال أفكار ذوي النظر من الحكماء إنما تصدر من قوس واحدة وتتوجه إلى غرض طريقته غير متعددة وقال العقلاء