ثم قال الغراب والغالب على ظن ذوي اللب إن هذه الفتن أصلها وأصلاها الدب لأنه قد تقرر وتحقق واتفق كل حكيم موفق أنه إذا نقل ناقل محمق عن عاقل ابتدأ بالإحسان إساءة فلا يصدق فالملك لا يبادر في هذه القضية حتى يتبصر الأمر عن جليه وحاشاه أن يفرط في خدمة المخلصين من غير أن يتدبر أمورهم بيقين ويختلي بعبده الجمل ويتحقق منه أصل هذا العمل بعد استجلاب خاطره وتطييب سرائره وضمائره فاستصوب الأسد هذا الفصل واختلى بالجمل ليقف منه على هذا الأصل وسكن حاشه وأزال بلطيف الكلام استيحاشه وشكر في خدمته مساعيه وطلب بملاطفته مراضية ثم طلب من الجمل تفصيل ما بلغه من جمل وأكد قوله بالأيمان أنه لو صدر منه تقصير ونقصان ولو كان مهما كان فانه قد عفا عما هفا ولا يكدر من عيشه ما صفا ولا يمزق رقيق حاشية وفائه بالجفا ولا يتقيد بهفواته ولا يطالبه أبداً بزلاته فليطلعه على جلية الحال وليذكر ما وقع منه من أقوال وأفعال فافتكر الجمل في معاهدته مع الدب وأنه لا يفشي سر ذلك العديم اللب وكيف ينقذه من غضبي جمرشب وقضاء عمرة صب فقال إن أضعت صاحبي وإنسكت قصرت في جانبي ثم اختار كتم الأسرار وسلك طريق الأحرار والوفاء بالعقود وعدم نكث العهود وقال اسعد الله مولانا الذي بوجوده أحبانا أنى أتفكر في عواقب الأمور وأنظر في تقلبات الدهور وأخشى سطوات السلطان وأخاف من حوادث الزمان فلا أزال من هذا الخيال في انتحال وهزال إلى أن صرت إلى هذا الحال فان كان هذا ذنباً يوجب العقوبة فإن إزالته عن خاطري فيها صعوبة وهذه أوهام لا يمكن دفعها ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها