عظيم كثير الجند والأتباع شجاعته مشهورة وشهامته مأثورة به يضرب المثل ويشيه كل بطل ونحن وإن كان لنا عساكر كالجبال تهدم الحصون وتدك القلال لكن ما جر بنا مصارعة الأسود ولا مارسنا مقارعة النمور والفهود ولا نعرف طريق بلادهم ولا طريقة جدالهم وجلادهم وأن لهم في الحروب أساليب وفي افتراس الفرائس أنياب ومخاليب أن لا تتم هذه الأمور وتقصر حبالنا عن مصادمة مالهم من قصور فيرجع وبال هذه الأمور علينا إذ ابتداؤه أو لا منسوب الينا ولا تحصل إلا على الندامة والتوبيخ والملامة ويخطبنا الجد الوبيل بما قيل:
تبني بأنقاض دور الناس مجتهداً ... دار استنقض يوماً بعد أيام
وقال المدبر ولا شك أن جوهر هذا النظام وعقود هذا الكلام صادر عن فكر بعيد ورأي سديد وأمر رشيد وتأمل في العواقب مفيد أصله الحكمة وفرعه الشفقة وزهره المعرفة وثمره الفطنة ولكن من حين استولى على الملك كيومرث ومرث على سرير التحكم أصبع الولاية أبلغ مرث وسن قواعد السياسة وأسس بنيان الرياسة وذلك زمان الأبتداء وأول ما تملك على الدنيا وإلى هذا اليوم لم يزل القوم من الملوك في روم وطلب الزيادة والسوم ولا عتب في ذلك ولا لوم وقل لي أي ملك مالك تحكم في الممالك وسلك فيها المسالك ولم يقصد فيها الولايات الشاسعة ولا الأقاليم الواسعة ولم يطلب الترفع على الأقران وعلو المكان بقدر الإمكان والملك عقيم والعاجز سقيم وكيف يتصور أيها الملك الأكبر أن تكون همة الملك أدنى من همة تاجر في البحر ينهمك فان التاجر إذا افتكر في لذة الفائدة وما يعود عليه