وأما الغني ذو المال فهو على عكس هذه الأحوال فان رأوا منه فضلاً كان لكل مكرمة أهلا فرفعوه إلى العيوق وكان العظم المرموق أن أعطى قليلاً استصغر واحتما عنده وأطنبوا بلسان الثناء في شكرهم رفده وأن يخل قالوا مدبر لا يضيع ماله وإن كذب صدقوا قيله وقاله وفي الجملة حركات الغنى مستصوبه وكلماته مترشفة مستعذبة وقد قيل:
إن ضرط الموسر في مجلس ... قيل له يرحمك الله
أو عطس المعسر في مجمع ... سبوا وقالوا فيه ما ساء
فمضرط الموسر عرنينه ... ومعطس المفلس مفساه
وكما قيل:
الفقر يزري بأقوام ذوي حسب ... وقد يسود غير السيد المال
ولقد رشفت من أفواه الحكماء ونصائح البلغاء بل شاهدت من النوائب وتلقفت من ذوي التجارب وتحققت في الدهر أبا العجائب أن الفقر شيب الفتيان وسقم صحيح الأبدان ومبعد الأقارب وجاعلهم أجانب وقاطع الأرحام ومانع السلام ومبغض الأحباب ومفرق الأتراب ومشتت شمل الأصحاب وبالجملة فالذي يجب على ولي الأمر التأمل في قصارى هذا الأمر والتفكر في عاقبة هذه الحركة وما يحدث فيها من شؤم وبركه وأن يجبل قداح التدبر والتبصر والتصبر ويثبت في صدر هذا المورد المضيق وما فيه من مجال أو ضيق ولا يعتمد فيه على القوة والحول وأسباب الطول وكثرة الشوكة والعدد وإمداد العدد والمدد مع عدم الاكتراث بالأخصام وقلة المبالاة بكل أسد ضرغام فان الأسد سلطان السباع وملك