(وإنما أوردت) هذا التنبيه أيها الملك النبيه لا عرض على الخواطر السعيدة والآراء السديدة والآراء الرشيدة أن الأقتصار عن هذا أولى وأليق بالركون تحت إرادة المولى قال المدبر المفنن المعبر ثلاثة أشياء ينبغي لطالبها أن لا يفتكر في عواقبها الأول الأسفار في البحار والغوص فيها إلى القرار فان طالب الجواهر النفيسة ومن قصد أن يكون في صدر التجارة رئيسه لا يخشى من الغرق ولا عنده من ذلك فرق فهذا يعبى بضائع المال وذاك يغطس إلى قعر الأوحال وكل منهما لا يتفكر في العاقبة والمآكل الثاني المقدم على الحرب والرشق والطعن والضرب ومصارعة الأبطال ومباشرة أسباب القتال لا ينزعج لصوت ولا يفتكر في الهزيمة والجراح والموت والثالث طالب الرياسة والملك ذي السياسية لا يفتكر في الاقتحام ولا يتوانى في الأقدام ولا يتأمل في العواقب ولا يلتفت إلى المناقب ويلقي نفسه في الأخطار ويضرب إلى أعماق الأقطار ويجعل جل همه بلوغ الأوطار وقيل:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلى سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب اللآلي
وقيل:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمة ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
قال المقبل الحكيم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم أولوا الألباب المميزون بين الخطأ والصواب الناظرون من مبتدأ لأمور في أعقابها المستبصرون قبل وقوعها في مآلها ومآبها الآتون بيوت النوائب والنوازل من أبوابها قالوا إذا تحمن أبو الحصين وأغلق عليه من وراء