فلما سمع البلشون هذا المجون أغراه الطمع فما ابتلع فسها ولها ثم قال لها أعيدي هذه الرمزه فبمجرد ما فتح فاه بالهمزة أنملصت السمكة منه بجمزه وغاصت الماء وتخلصت من بين فكي البلاء ولم يحصل ذلك الطماع الأقطع الأطماع (وإنما أوردت) يا ذا الدراية هذه الحكاية لتتأمل عقبى هذا الأمر قبل الشروع فيه وتتدبر منتهى أواخره في مباديه فقد قيل أول الفكر آخر العمل (قال المشرقي) اعلم يا مرتقي إن مبنى الأمور في مجاريها وقواعد ما أسس عليه مبانيها تقدير خالقها وتدبير باريها وما حكمه وقضاه وأحكمه وأمضاه لكنه كتمة وأخفاه فلا تدركه العيون وإلا صار بل ولا البصائر والأفكار فانه علم غيب وجهلنا به ليس بعيب لأنه تنزه أحداً صمداً قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً كما قيل:
على المرء أن يسعى ويبذل جهده ... وليس عليه أن يساعده الدهر
فإن نال بالسعي المنى تم أمر ... وإن غلب المقدور كان له عذر
وإن الله العلي العظيم قد وضع أساس بنيان العالم على الأسباب وفتح لتعاطي الأسباب الأبواب فقال ذو الجلال والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وقال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وقال القائل:
إذا ما كانت في أمر مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
يرى الجبناء أن العجز حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم
فطعم الموت في شيء حقير ... كطعم الموت في شيء عظيم