وأقول وبالله التوفيق: إن منهج كتابة التأريخ الاسلامي وتفسير حوادثه يعتمد في أصوله على التصور الاسلامي، ويجعل العقيدة الإسلامية ومقتضياتها هي الأساس في منطلقاتها المنهجية، وفي تفسير حوادثه والحكم عليها ويعلل ذلك الدكتور أكرم ضياء العمري بقوله: إلا أن التفسير الأسلامي للتاريخ منبثق من تصور الأسلام للكون والحياة، والإنسان، فهو يقوم على الإيمان بالله تعالى، وكتبه ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. فهو لايخرج عن دائرة المعتقدات الأسلامية كما أنه مبني على دوافع السلوك في المجتمع الإسلامي الأول مما يجعل حركة التاريخ الإسلامي ذات طابع متميز عن حركة التاريخ الاسلامي العالمي لأثر الوحي الإلهي فيه (?)
لذا ينبغي في تفسير التاريخ الاستمداد من المصادر الشرعية لمعرفة دوافع السلوك في المجتمع الذي نشأ وتكون على هدي الشريعة وشكل حياته وتصوراته وفقاً لها، وكان تعليماتها وأوامرها ونواهيها موجهة لكثير من حركاته في الدعوة إلى الله، وفي الجهاد في سبيل الله، وفي التعليم وفي بناء الدولة ومؤسساتها الإدارية والإجتماعية، وفي علاقات المجتمع الإسلامي مع بعضه ومع غيره من المجتمعات.
ولكي يكون تفسيرنا لحركة التاريخ الإسلامي صحيحاً وواقعياً فإنه يلزمنا معرفة وفهم العوامل التي شكلت المجتمع وتحكمت في حركته وبناء تصوراته وثقافته، وموازنة هذه الحركة التاريخية بالأوامر والنواهي الشرعية، وكم منها متسق مع هذه الأوامر والمتطلبات؟ وكم منها مائل عنها؟ لنعرف مدى الأثر الذي أحدثه الإسلام في حياة المجتمعات الإنسانية، ولنعرف كذلك قيمة الخسائر التي لحقت بالمجتمع الإنساني من جراء الانحراف والبعد عن شريعة الله، وندرك أيضاً فضل الله ورحمته بهذه البشرية، إذ أخرجهم بهذا الدين من الظلمات إلى النور ومن الجور إلى العدل ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن الشقاء إلى السعادة ومن الخوف والقلق إلى طمأنينة الإيمان وأمنه. قال تعال: (الر. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (إبراهيم:1).