وكان السلطان محمد الفاتح قبل خروجه من استنبول قد أصابته وعكة صحية إلا أنه لم يهتم بذلك لشدة حبه للجهاد وشوقه الدائم للغزو وخرج بقيادة جيشه بنفسه، وقد كان من عادته أن يجد في خوض غمار المعارك شفاء لما يلم به من أمراض إلا أن المرض تضاعف عليه هذه المرة وثقلت وطأته بعد وصوله إلى اسكدار فطلب أطباءه. غير أن القضاء حم به فلم ينفع فيه تطبيب ولا دواء، ومات السلطان الفاتح وسط جيشه العرمرم يوم الخميس الرابع من ربيع الأول 886هـ (3 مايو 1481م) وهو في الثانية والخمسين من عمره بعد أن حكم نيفاً وثلاثين عاماً (?).
وبعد أن ذاع نبأ الوفاة في الشرق والغرب، أحدث دوياً هائلاً اهتزت له النصرانية والإسلام، أما النصرانية فقد غمرها الفرح والابتهاج والبشرى وأقام النصارى في رودس صلوات الشكر على نجاتهم من هذا العدو المخيف (?) وكانت جيوش الدولة العثمانية قد وصلت إلى جنوب إيطاليا لفتح كل ايطاليا وضمها للدولة العثمانية إلا أن خبر الوفاة وصلهم فانتاب الجنود هم شديد وحزن عميق واضطر العثمانيون في الدخول لمفاوضات مع ملك نابولي لينسحبوا آمنين على حياتهم وامتعتهم وعتادهم وتمّ الاتفاق على ذلك إلا أن النصارى لم يفوا بما تعهدوا واعتقلوا بعض الجنود
الذين كانوا في المؤخرة وصفدوهم بالحديد (?).
وعندما وصل خبر وفاة السلطان إلى روما ابتهج البابا وأمر بفتح الكنائس وأقيمت فيها الصلوات والاحتفالات، وسارت المواكب العامة تجوب الشوارع والطرقات وهي تنشد أناشيد النصر والفرح بين طلقات المدافع وظلت هذه الاحتفالات والمهرجانات قائمة في روما طيلة ثلاثة أيام، لقد تخلصت النصرانية بوفاة محمد الفاتح من أعظم خطر كان يهددها (?).
لم يكن أحد يعلم شيئاً عن الجهة التي كان سيذهب إليها السلطان الفاتح بجيشه، وذهبت ظنون الناس في ذلك مذاهب شتى. فهل كان يقصد رودس ليفتح هذه الجزيرة التي امتنعت على قائده مسيح باشا؟ أم كان يتأهب للحاق بجيشه الظافر في جنوبي إيطاليا ويزحف بنفسه بعد ذلك إلى روما وشمالي إيطاليا ففرنسا وإسبانيا؟