أجلها حروباً دينية شديدة، وكانت أجمل عبارة على ألسن العثمانيين عند التنادي للجهاد الزحف الى الفتوحات إما غاز وإما شهيد، فمنذ بداية تأسيسها أطلق على زعيمها لقب الغازي - أي المجاهد في سبيل الله- وظل هذا اللقب الرفيع يتقدم كل الألقاب والنعوت بالنسبة للسلاطين العظام، وكانت غاية الدولة العثمانية (الدفاع عن الاسلام ورفع رايته على الآنام).
لذلك صبغت الدولة شعباً وسلطاناً، حكومة وجيشاً ثقافة وتشريعاً، نهجاً وضميراً، هدفاً ورسالة، بصبغة اسلامية خالصة منذ النشأة وعلى مدى سبعة قرون لقد كان اهتمام السلاطين بأمر الدين عظيماً وقدموه على كل شيء وواظبوا عليه الى أقصى حدود وأكدوا أنهم لاينتسبون إلا للإسلام وتراثه وحضارته وكان الوطن عندهم هو كل أرض يسكنها المسلمون، وكلمة الملة تعني الأمة والدين معاً، وذلك كان هدف المنهج التربوي في جميع المدارس والجامعات والمعاهد، تصاغ به نفوس الناشئة منذ بداية تعليمهم في الكتاتيب
وجميع المسلمين كانوا يسجلون في دوائر النفوس - سجلات المواليد- وفي التذاكر العثمانية -بطاقات الهوية- كمسلمين فحسب، دون أن يذكر الى جانب ذلك فيما إذا كانوا من الاتراك، أو من العرب أو من الشراكسة أو الألبان أو الأكراد إن مايهم الدولة كان ينحصر في ملتهم في ديانتهم؛ إنهم مسلمون وكفى، واعتبر العثمانيون أي مقاتل مسلم جاهد في سبيل الله ميراثهم البطولي وخلفيتهم التاريخية، وإن تباينت الأنساب، وتباعدت الأزمان؛ من ذلك المجاهد "عبد الله البطال" الذي استشهد في معركة أكرنيون في آسيا الصغرى عام 122 للهجرة، زمن الدولة الأموية والذي يقول عنه الطبري وهو يعلق على حوادث سنة 122هـ: (وفيها قتل عبد الله البطال في جماعة من المسلمين بأرض الروم) (?).
يعتبره العثمانيون بطلهم القومي وبين "عبد الله البطال" العربي وقيام الدولة العثمانية مايقرب من سبعمائة عام، لقد كان تاريخ العثمانيين وأبطال العثمانيين، نسب الإسلام، وتاريخ الاسلام، ومجاهدي الاسلام (?).