لقد صعد المشركون الجبل، واستولوا على ناحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد:

«اجنبهم» يقول: ارددهم، فقال: كيف أجنبهم وحدي؟ فقال ذلك ثلاثا، فأخذ سعد سهما من كنانته، فرمى به رجلا فقتله، قال: ثم أخذت سهمي أعرفه، فرميت به آخر فقتلته، فهبطوا من مكانهم، فقلت: هذا سهم مبارك، فجعلته في كنانتي، فكان عند سعد حتى مات، ثم كان عند بنيه.

وثبت عن أبي حازم، أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان يسكب الماء، وبما دووي، كانت فاطمة ابنته تغسله، وعلى بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، فألصقتها فاستمسك الدم» (?) .

في هذه الموقعة كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وشجّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول: كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم، فأنزل الله عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (?) .

انهزم الناس، واندحروا، لكن أنس بن النضر لم ينهزم، فقال: - «اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني المسلمين وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعني المشركين ثم تقدم، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون، ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015