قال أبو عبيد: وقد رأيت بعض من يتعم بالزندقة والدّهرية يحتج بهذا الحديث، ويقول: ألا تراه يقول: فإنّ الله هو الدّهر؟
فقلت: وهل كان أحد يسب الله [عز وجل] في آباد الدّهر؟ !
وقد قال "الأعشى" في الجاهلية الجهلاء:
استأثر الله بالوفاء، وبالحمد وولّى الملامة الرّجلا
وإنّما تأويله عندي -والله أعلم- أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر، وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هرم، أو تلف مال، أو غير ذلك، فيقولون: [93] أصابتهم قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، وأتى عليهم الدّهر، فيجعلونه الذي يفعل ذلك، فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم، قال الشاعر يذكر قومًا هلكوا:
فاستأثر الدّهر الغداة بهم ... والدّهر يرمينى وما أرمى
يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت في العظم
وسلتنا ما لست تعقبنا ... يا دهر ما أنصفت في الحكم