الذين أشرنا إليه أن معنى قوله تعالى: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}: أي حتى لا تحول القوة بين الإسلام وقلوب الناس، ويصبح الدين لله لا يتدخل في شأنه أحد من الناس ليرغم أحدًا آخر على قبول رأي معين، هذا تفسير صاحب المقال للآية، وهو تفسير جديد لم يسبقه إليه أحد من سلف الأمة وأئمتها، وهو كما قال: مما يتفق مع نظرة علماء القانون الدولي من طواغيت الإفرنج وغيرهم من أعداء الله تعالى، ولعل ميله إليهم، وإعجابه بآرائهم وقوانينهم هو الذي حداه على التخبيط في تفسير هذه الآية وغيرها بمجرد رأيه، وإطراح ما قال ترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من أئمة السلف.
ولا يبعد أن يكون صاحب المقال وأشباهه ممن عناهم الله تعالى بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، ومغزاه في تفسير هذه الآية ظاهر؛ وهو الدعوة إلى إبطال الجهاد الذي أوجبه الله على عباده المؤمنين وجعله سنامًا لدين الإسلام.
ومن الآيات المحكمات أيضا: قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} الآية [محمد: 4].
قال البغوي رحمه الله تعالى: معنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر؛ حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام. انتهى.