ودلت الآية أيضا على مشروعية ابتداء أهل الكتاب بالقتال على الإسلام وإن لم يحصل منهم اعتداء على المسلمين، ولا وضع عراقيل في طريق الدعاة إلى الإسلام، ويدل على ذلك أيضًا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه لما نزلت عليه هذه الآية تجهّز يريد قتال الروم بالشام وأوعب المسلمون معه، فسار بهم حتى بلغ تبوك فأقام بها قريبا من عشرين يوما، ثم رجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس، ثم غزاهم المسلمون بعد ذلك في ديارهم وبدأوهم بالقتال لما أبوا قبول الدعوة الإسلامية أو بذل الجزية حتى أثخنوهم قتلاً وأسرًا وتشريدًا، كما هو معروف في كتب المغازي والسير، والله أعلم.
وهؤلاء الآيات الخمس كلها من سورة براءة، وهي من آخر ما نزل من القرآن، ولم ينسخ منهن شيء.
ومن الآيات المحكمات أيضا: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَاسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16]، وهذه الآية الكريمة مما نزل بعد صلح الحديبية، ولم ينسخها شيء، وقد قال تعالى فيها: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} فأوجب ابتداءهم بالقتال واستمراره معهم ما داموا على الشرك، فدل على أنه هو علة القتال، ولو كانت العلة اعتدائهم ووضعهم العراقيل في طريق الدعاة -كما قال هذا المثبط وأمثاله- لكان ينبغي الكف عنهم إذا زالت هذه العلة، وهذا خلاف نص القرآن.
ومن الآيات المحكمات أيضا: قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].