ووسائله، وقد حدثني بعض أصحابنا من قضاة المدينة النبوية أن خُدَّام المسجد النبوي إذا كان ليلة الجمعة أخرجوا ما يلقيه الغوغاء داخل الشباك الذي حول الحجرة من أواني الطيب والكتب الكثيرة، قال: وقد عرض عليَّ بعض الكتب التي تلقى هناك فإذا هي مشتملة على الشرك الأكبر، فبعضهم يسأل المغفرة والرحمة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم يسأل منه أن يهب له الأولاد، وبعضهم يطلب منه تيسير النكاح إذا تعسر عليه، إلى غير ذلك من الأمور التي يفزعون فيها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينسون الرب الواحد الأحد الفرد الصمد المالك المتصرف في خلقه بما يشاء، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة، لا معقب لحكمه، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وقد قال تبارك وتعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى، وقد عكس المشركون هذا الأمر فزعموا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يملك لهم الضر والرشد، والإعطاء والمنع، وهذا عين المحادة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه الأمور الشركية التي تفعل عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعند غيره من قبور الصالحين أو من يظن صلاحه، هي من ثمرات الغلو الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته؛ كما في المسند، وسنن النسائي، وابن ماجة، ومستدرك الحاكم، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» هذا لفظ ابن ماجة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.