يحلون المحرّم، ويحرمون صفر مكانه. وهذا قول مالك، وأبي عبيدة.
والثاني: أن المراد بذلك التشاؤم به. رواه أبو داود في سننه عن محمد بن راشد قال: سمعنا أن أهل الجاهلية يستشئمون بصفر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا صفر».
قال ابن رجب: ولعل هذا القول أشبه الأقوال، وكثير من الجهال يتشاءم بصفر وربما ينهى عن السفر فيه، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بالأيام كيوم الأربعاء. انتهى.
وهذا القول الأخير هو أرجح الأقوال عندي.
وقد سلك الروافض سبيل أهل الجاهلية في التشاؤم بشهر صفر، بل زادوا على أهل الجاهلية في التطير به وسوء الاعتقاد فيه، وبلغ من سخافة عقولهم، وتلاعب الشيطان بهم، أنهم كانوا يعمدون في آخر يوم من صفر فيكسرون أواني الفخار التي استعملوها فيه، ويغسلون غيرها من الأواني، ويمسحون سقف بيوتهم وجُدُرها، ويكنسون البيت كله، يبتدئون من أقصاه حتى ينتهوا إلى الباب، فيخرجوا الكناسة وكسر الأواني إلى السوق بغاية السرعة، ليخرج معها شؤم صفر على زعمهم الباطل.
وقد قابلهم بعض الجهال من المنتسبين إلى السُنَّة، فوصفوه بالخيرية، فكانوا يقولون: صفر الخير، وقصدهم بذلك مراغمة الروافض، ومعارضتهم فيما زعموه من شؤمه، وهذا من مقابلة الضلالة بضلالة أخرى، فإن شهر صفر وغيره من الشهور لا خير ولا شر عندها، وإنما هي أوقات