قلت: لكن لا يؤمن على المذكر والواعظ الخيلاء والرياء، فإن ذلك هو الغالب على كثير ممن ينصب نفسه ابتداء، من غير أن يؤمر به.
وظاهر الحديث يشمل الأصناف الثلاثة، وقد روي عن علي، وعابد بن عمر، وابن عباس، وغيرهم -رضي الله عنهم- ما يدل على ذلك.
فروى حنبل بن إسحاق، من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: مرّ علي - رضي الله عنه - على قاص، فقام إليه فقال: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هل تعرف المحكم من المتشابه؟ قال: لا، قال: هل تعرف الزجر من الأمر؟ قال: لا، قال: فأخذ بيده فرفعها وقال: إن هذا يقول: اعرفوني، اعرفوني.
وروى حنبل أيضًا، عن عابد بن عمر أنه قال لقاص: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: فعلام تقص على الناس وتغرهم عن دينهم، وأنت لا تعرف حلال الله من حرامه!
فهذا علي وعابد، أطلقا اسم القاص على من ينصب نفسه لإرشاد الناس وتعليمهم، فهو أعم من رواية الأخبار وسرد القصص.
وروى البخاري في (التاريخ الكبير)، عن جبير بن نفير قال: أرسلتني أم الدرداء رضي الله عنها -يعني إلى نوف البكالي- قالت: يا جبير، اذهب إلى أنيف، وفلان لم يسمه -قاصين كانا بحمص- فقل لهما: يجعلان من موعظتهما للناس في أنفسهما.
فهذه أم الدرداء -رضي لله عنها- أطلقت اسم القاص على من يعظ الناس ويذكرهم.