وقد رواه البخاري في (التاريخ الكبير) عن ذي الكلاع قال: كان كعب يقص في إمارة معاوية، فقال عوف بن مالك لذي الكلاع: يا أبا شراحيل، أرأيت ابن عمك أبأمر الأمير يقص؟ فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «القُصاص ثلاثة: أمير أو مأمور أو مختال» فمكث كعب سنة لا يقص حتى أرسل إليه معاوية يأمره أن يقص.
وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام، حدثنا عبد الجبار الخولاني قال: دخل رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا كعب يقص، فقال: من هذا؟ قالوا: كعب يقص، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال» قال: فبلغ ذلك كعبًا فما رُئي يقص بعد. إسناده حسن.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: بلغني عن ابن سريج أنه كان يقول هذا في الخطبة، وكان الأمراء يلون الخطب، فيعظون الناس، ويذكرونهم فيها، فأما المأمور: فهو من يقيمه الإمام خطيبًا، فيعظ الناس ويقص عليهم، وأما المختال: فهو الذي نصب نفسه لذلك من غير أن يؤمر به، ويقص على الناس طلبا للرياسة، فهو يرائي بذلك ويختال، وقد قيل: إن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف؛ مذكر، وواعظ، وقاص؛ فالمذكر: الذي يذكر الناس آلاء الله ونعماءه، ويبعثهم بها على الشكر له، والواعظ: يخوفهم بالله وينذرهم عقوبته، فيردعهم به عن المعاصي، والقاص: هو الذي يروي لهم أخبار الماضين ويسرد عليهم القصص، فلا يؤمن أن يزيد فيها أو ينقص، والمذكِّر والواعظ مأمون عليهما هذا المعنى. انتهى.