وما أحسن ما قاله قتادة عن حال أول هذه الأمة: إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاق بهم إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.
قلت: وهكذا كان الأمر في ابتداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه سواء بسواء، فإنه لما دعا الناس إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والسير على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وترك ما أحدث الخلوف من البدع والتقاليد المخالفة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، أنكر ذلك المشركون وأهل البدع وكبر عليهم وضاقوا به ذرعًا، فأبى الله إلا أن يمضي هذه الدعوة ويظهرها ويفلجها وينصرها على من ناوأها كما قال تعالى في كتابه العزيز: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وقد قال الإمام أحمد - رضي الله عنه - في خطبة كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،