منهم حيرانا»، والله أعلم.
وقوله في هذا الحديث: «فتنة ظلماء» كناية عن عظمها وتحير من وقع فيها وبعده من السلامة، وقد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا عند عمر - رضي الله عنه - فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تُكفِّرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت؟ لله أبوك، قال حذيفة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًّا كالكوز مُجَخِّيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه».
قوله: «تعرض الفتن على القلوب» قال النووي: قال الأستاذ أبو عبد الله ابن سليمان معناه: تظهر على القلوب، أي تظهر لها فتنة بعد أخرى.
قوله: «كالحصير» أي كما ينسج الحصير عودا عودا وشظية بعد أخرى، شبَّه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدا بعد واحد، ومعنى «أشربها» دخلت فيه دخولا تاما وألزمها، وحلت منه محل الشراب، ومعنى «نكت نكتة» نقط