) الجواب (متى صدر هذا النهي من مرشد كامل ينظر بنور الله تعالى عز وجل فهو مقبول. ولولا ما يقال لقلت يلقى له في البحر كلام شارح العباب. وليس ذلك من باب التحريم في شيء كما لا يخفى على ذوي الألباب. وقد روي عن بعض الأئمة وأظنه الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه أنه كان في حبس الخليفة فأتته بطعام فلم تصل إليه فأعطته السجان ليوصله إليه فلما أتاه به لم يأكل منه شيئاً فقيل له إنه طعام أهل بيتك فقال نعم لكن اليد التي حملته فأوصلته إلي ظالمة يعني يد السجان ومثله ما يحكى عن بعض المشايخ أنهم لا يأكلون طعاماً يصنعه جنب أو محدث ويتحرون طهارة صانعه وصلاحه وأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لتأكيد إفادة الحل مع أنه عليه الصلوة والسلام وكذا أصحابه الكرام على نور تتحاماه الظلمة ورقة قلب لا يحوم حوله قسوة فتدبر. والله أعلم وأخبر.
الرابع عشر: إذا دخل رجل بالزهد بأن أكل اللذائذ ولبس المفاخر وبنى فوق تسعة أذرع ارتفاعاً وطمع في الجلوس بصدر الديوان ودعا إلى الاجتماع إليه فهل يحسن الاجتماع عليه مع قول شارح الأربعين الاجتماع على رجل بغير زهد وورع بدعة مذمومة انتهى.
) الجواب (غير ذي الزهد والورع لا يحسن الاجتماع عليه ولا السلوك على يديه بل قالوا ترك السلوك خير من سلوك على يد ناقص لكن وقوع الإخلال بالزهد وأخيه من غير استمرار عليه لا يضر. فقد قيل للجنيد قدس سره أيزني العارف فقال وكان أمر الله قدراً مقدورا ثم ينبغي أن يعلم أن أكل اللذائذ وكذا لبس المفاخر ليس على إطلاقه إخلالاً بالورع والزهد فإن الورع اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات وقيل ملازمة الأعمال الجميلة والزهد بغض الدنيا والإعراض عنها وقيل ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة وقيل أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ولبس المفاخر الغير المحرمة قد يكون لغرض شرعي مع إعراض القلب وعدم تعلقه بها والتفاته إليها كما وقع لكثير من المشايخ الكبار المقطوع بولايتهم بل قد وقع له عليه الصلوة والسلام كما لا يخفى على من تتبع الآثار وكذا أكل اللذائذ وقد صح أنه عليه الصلوة والسلام أكل حلوى عسلية صنعها له عثمان رضي الله تعالى عنه ولا شك أنه عليه الصلوة والسلام سيد الزاهدين والورعين ويقال نحو ذلك في البناء فوق تسعة أذرع فإنه ليس بمنهي عنه مطلقاً كيف وقد تمس الحاجة إليه والتفصيل في محله وربما يقال أيضاً في الطمع في الجلوس بصدر الديوان أنه ليس مخلاً بالورع والزهد مطلقاً إذا تأملت) وبالجملة (المدار الإخلال بشرطه المشار إليه سابقاً وعدم الإخلال. وأكثر الجهلة اليوم مجتمعون على كلاب دنيا لا يخطر لهم الزهد والورع ببال. وقد رأس أهل الطريقة أقوام هم في الحقيقة بالنسبة إلى أهل الشريعة أخس من نعال أقدام فيا أسفي على الطرائق العلية كيف عرتها اليوم هذه البلية.
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى استأمها كل مفلس
نسأل الله تعالى أن يخلصها من أياديهم ويقطع بسيف غيرته سبحانه دابر من يواليهم.
الخامس عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه اتفق الفقهاء على أنه لا ثواب للذكر القلبي وقال الإمام النووي الذكر بالقلب واللسان أفضل من الذكر بالقلب وهو ظاهر في أن للذكر القلبي فضلاً فيكون له ثواب فكيف التوفيق.