وكان عليه الرحمة مشهوراً بعلم العربية بين القاصي والداني حتى أنه كان يدعى لمهارته فيه بسيبويه الثاني، وقد قرأ ذلك على والده جليل الأوصاف الفقيه الشهير الملا محمود الشواف، وكان غواص تأمله يستخرج الدرر وقلما يجيب جواباً بأول النظر، ولا يأنف من قول لا أدري، ويجري مع الحق حيث يجري، وما رأيته غلظ في جواب، بل كان يسكت أو ينطق بالصواب، وكان أبعد العلماء من حمى المأثم، غير أنه للطفه يصحب الجنيد ويحيى بن أكثم، وغالب تدريسه في مسجد خال خاله ذي الصلاح، بل ولى الله تعالى بلا نزاع شيخ والدي الملا عبد الفتاح، وفي حجرته التي كان يدرس فيها دفن، فيا لها من مدفن بكل خير قمن، وسبب ذلك تعذر الوصول إلى المقابر لكثرة الماء وقلة الناصر، فقد طغى الماء ودخل البلد أيام الطاعون، وجرت من عيون السور على المطعونين عيون، ولا تكاد تجد لكثرة الموتى في الكرخ غير الشيخة الفانية والشيخ، ولذا كثر الدفن في المساجد والطرق والبيوت ومن الموتى من كان قبره جوف كلب أو بطن حوت، وكان ذلك من شهر شوال إلى غرة ذي الحجة الحرام، سنة ست وأربعين بعد المائتين والألف من هجرته عليه الصلوة والسلام،) وقرأت (من شرح الوضعية لمولانا عصام، إلى ما يعانق من الرسالة الختام، على ذي الفضل الجليل الجلي) السيد محمد أمين بن السيد علي الحلي (وكان رب فصاحة وبيان، يخيل منه إذا نطق أن كلاً من أعضائه لسان.
إذا ارتج الخطاب بدا خليج ... بفيه كأنه بحر الكلام
كلام أم مدام أم نظام ... من الياقوت أم حب الغمام
إلا أنه كان مولعاً بنقل الغريب، ولا يبالي إذا تكلم أيخطئ أم يصيب وقد كثر لغطه، فكثر غلطه، ولم ينق ما في سفطه، فسقط كلامه عن القبول، لوافر سقطه، مع أنه أذكى من أياس، وذهنه أضوأ من نبراس، وكان أكثر قراءته على الملا عبد العزيز أفندي المذكور، قرأ عليه علوم العربية لما أنه في إتقانها مشهور، وقرأ على ذي المقام العلا، علاء الدين مولانا علي أفندي الموصلي، ولم يتحمل لسع نحل أخلاقه، ولم يستطب طبعه واستبشع مر مذاقه، فترك درسه الذي ماله في الحلاوة ثاني، وقرأ على الفاضل) عبد الرحمن أفندي الروزبهاني (وقبل أن يتخرج خرجت إلى الملأ الأعلى روحه، وتوفي في الطاعون بعد أن برأت بمرهم منصب الإفتاء جروحه) ولما (انقضت ثلاث عشرة سنة من عمري، وأنا مهتم في التحصيل وإصلاح أمري،) شرعت (بالقراءة مع إخلاص النية، وافتتحت بالخاتمة من شرح عصام للرسالة الوضعية، عند واحد العلماء، وأوحد الفضلاء، الضارب في كل فن بسهم، والقارع صفاة كل قريحة وفهم، فارس ميدان المباحث والحبر الذي عزز العلامتان منه بثالث، ذي القدم الراسخة في جميع العلوم والرتبة الشامخة التي دون رفعتها النجوم، ذي القدر الأعلى) علاء الدين أفندي الموصلي (، ولم أزل أقرأ عنده، وأستنشق ريحه ورنده، إلى من تخرجت به وتأدبت بأدبه، وكان عليه الرحمة ذا ذهن يحل كل عويصة ضامن، ووقار كان ثبيراً فيه كامن، وأدب زرت على أعناق الإعجاز جيوبه، وهبت بغوالي غواني الإبداع صباه وجنوبه، إلى عبارات عذبة شريفة، وإشارات ظريفة لطيفة، وألفاظ رائقة، ومعان فائقة، والحق أنه كان في كل علم آية الله تعالى الكبرى، وجنته التي لا يجوع فيها طالب علم ولا يعرى.
هو الشمس علماً والجميع كواكب ... إذا ظهرت لم يبق منهن كوكب
بيد أنه لضيق ذات يده ضاق صدره، ولمزيد كلف في نجم سعده كلف بدره ولذلك ساءت أخلاقه، وشائت فراقه رفاقه.
كان لا يدري مداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم