ومذ أدارت لنا أقداحا ... بنا نهار التصابي صاحا
فامتلأ الكون بالتغريد
أبدت لنا من خلال الكأس ... ما هو أسنى من النبراس
فخلتها في يد الشماس ... شمس نهارٍ بدت للناس
فكبرت ملة التوحيد
مفقودها إذ حكى المنقودا ... جعلت وهمي لها راقودا
لم أدر كيفاً لها محدودا ... معدومها علم الموجودا
من عدمٍ علة الموجود
فمن رأى الرق والصهباء ... كمن رأى الغول والعنقاء
قد قلدت حليها الجوزاء ... وعلمت غنجها أشماء
فأثرت في فوى الجلمود
قد يتراءى لعين الرائي ... من فوقها زيبق الأبراء
حلت بودي وفي إروائي ... جذوة نارٍ ثوت في ماء
فألقت الوهم في أخدود
في العدم المحض كانت قبلاً ... والآن بالزعم أبدت شكلا
إن جمع الدن منها شملاً ... فلبة الكأس منها عطلا
تروى وكم عاطلٍ من جيد
كم ذقت منها زلالاً صافي ... يحكي برقراقه أوصافي
أما ترى أعين الإنصاف ... تسلسل المجد من إعطافي
في حوض أسلافي المورود
تبدو بأحداقها للساقي ... كالنور في بؤبؤ الأحداق
نظن من شدة الإحراق ... معصورة من لظى أشواقي
لرشف راح اللمى المبرود
لما انجلت من فم الإبريق ... تحكي بقرطاسه تنميقي
شقت قميص الدجى للزيق ... فهي على راحة البطريق
ووجنة الكأس كالتوريد
فما حلت قط إلا مرت ... تلك الليالي قد مرت
بنا خيول التصابي فرت ... بأثرها ما إلينا كرت
وهذه عادة المطرود
في الحي كم أنعشت من ميت ... ولا انتعاش الضيا بالزيت
دعني من قول كيت كيت ... من دم أعداء أهل البيت
ترشف لا من دم العنقود
مواسم للهوى في نجد ... كانت طرازاً لبرد المجد
لقد طوته النوى في أيدي ... وانهال من سلكه كالعقد
إذا سلته إلى التبديد
نجد وهل نجد إلا مغنى ... تقضي اللبانات فيه لبنى
كم قد حوت ذات عين وسنا ... كانت بأم الدواهي تكنى
وتنتمي لليالي السود
ترويك عن) نزهة الألباب ( ... رحلة علامة الأحقاب
أبي الثنا رحلة الطلاب ... أغناه عن كثرة الألقاب
ما شاع من سعيه المحمود
فيا له من شهاب ثاقب ... للرشد يهدي بليلٍ حاطب
كجده إذ أتانا عاقب ... راح لبكر المعالي خاطب
فأسعدت منه في سعود
روح معاني الهدى تفسيره ... روح جنان العلى تقريره
دوح مغاني البها تحبيره ... قلد أوراقه تحريره
ما جل في الحسن عن تقليد
أودع فيها فصولاً جمة ... منها استفدنا علو الهمة
وللمعاني وفي بالذمة ... في كشفها عن ذويها الغمة
بمسحة من أكف الجود
أطلع فيها شموس الفضل ... بازغةً من سماء العقل
محابها واجبات الجهل ... والشمس كم قد محا من ظل
إشراقها عن صياصي البيد
كم من سمينٍ لنا إن غث ... قد مازه عارياً من ريث
وكم عويصٍ غداة البحث ... غادر منه الحبي في نكث
وكان في غاية التعقيد
بدر سماء العز والإجلال ... شهابها المستنير العالي
كر الجدي معدن الأفضال ... جدد رسم العلوم البالي
فراح يرتاح في التجديد
منه التآليف في الآفاق ... قد باهت الشمس في الإشراق
فهو بها للمعالي راقي ... أصبح لا شك باستحقاق
من غير ريبٍ ولا تفنيد
كم من فنون لنا أبداها ... لدى أولي الفضل ما أجداها
ومن علوم لهم أسداها ... وكم وكم تحفةٍ أهداها
جلت لدى الحصر عن تعديد
وكم وكم درةٍ مكنونةٍ ... فيها وكم تحفةٍ مخزونة
أفكارنا قد غدت مفتونة ... بها وأبصارنا مرهونة
تنفك هيهات عن تقييد
فيها إجازات علم تحكى ... لآلئاً قد وهت من سلك
ليس بها عندنا من شك ... محبوكة بالتقى والنسك
منضودة أيما تنضيد
طالعت فيها مع الإمعان ... فزاد مني لها إذعاني
وشمت من شكلها الروحاني ... ما هو كالفرقد النوراني