وَمَا يَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ إنْفَاذُ قَدْرِ الْقُوَّةِ فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» وَفِي رِوَايَةٍ «كَفَافًا» وَمَتَى كَثُرَ تُشَتَّتُ الْهِمَمُ. فَالْعَاقِلُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لِلتَّنْعِيمِ فَقَنِعَ بِدَفْعِ الْوَقْتِ فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هِيَ الْقَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَعِشْ مَلِكًا ... لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إلَّا رَاحَةَ الْبَدَنِ
وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا ... هَلْ رَاحَ مِنْهَا سِوَى بِالْقُطْنِ وَالْكَفَنِ
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ عُيُونِ الْحِكَايَاتِ قَالَ الْعُمَرِيُّ السَّقَطِيُّ: رَأَيْت الْبُهْلُولَ وَقَدْ دَلَّى رِجْلَهُ فِي قَبْرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ بِالتُّرَابِ، قُلْت أَنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ عِنْدَ قَوْمٍ لَا يُؤْذُونِي، وَإِنْ غِبْت لَا يَغْتَابُونِي. قُلْت لَهُ إنَّ السِّعْرَ قَدْ غَلَا. قَالَ لَوْ بَلَغَتْ كُلُّ حَبَّةٍ بِمِثْقَالٍ لَا أُبَالِي، نَعْبُدُهُ كَمَا أَمَرَنَا، وَيَرْزُقُنَا كَمَا وَعَدَنَا. ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
أَفْنَيْت عُمُرَك فِيمَا لَسْت تُدْرِكُهُ ... وَلَا تَنَامُ عَنْ اللَّذَّاتِ عَيْنَاهُ
يَا مَنْ تَمَتَّعَ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا ... يَقُولُ لِلَّهِ مَاذَا حِينَ يَلْقَاهُ
أَنْبَأَنِي كُلٌّ مِنْ مَشَايِخِي، الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ التَّغْلِبِيُّ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُجْلِدُ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي الْحَنْبَلِيِّ الْأَثَرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْمُقْرِي عَنْ أَحْمَدَ الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَمِّهِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ فَهْدٍ؛ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُسْنَدِ الْآفَاقِ، عَنْ أَبِي النُّونِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْعَسْقَلَانِيِّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُقِيرُ الْبَغْدَادِيُّ نَا لَاحِقُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ كَارَةَ نَا أَبُو عَلِيٍّ نَبْهَانُ نَا الحيسوب دوما نَا أَبُو بَكْرٍ الدَّرَّاعُ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ مَسْرُوقٍ قَالَ: سُئِلَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْقَنَاعَةِ فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا التَّمَتُّعُ بِعِزِّ الْغِنَى لَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
أَفَادَتْنَا الْقَنَاعَةُ أَيَّ عِزٍّ ... وَلَا عِزَّ أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ
فَخُذْ مِنْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالْ ... وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ
تَحُزْ حَالَيْنِ تَغْنَى عَنْ بَخِيلٍ ... وَتَسْعَدُ فِي الْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ
ثُمَّ قَالَ: مُرُوءَةُ الْقَنَاعَةِ أَشْرَفُ مِنْ مُرُوءَةِ الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ.
وَمِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَرَضِيَ عَنْهُ -: