وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكُنْ حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ ... تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ
(وَكُنْ) أَيْضًا (حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى) كَفَتَى الْخَلْقِ، أَيْ كَمَا أَنَّهُ أَمَرَك أَنْ تَكُونَ عَامِلًا بِالْعِلْمِ أَمَرَك أَيْضًا أَنْ تَكُونَ حَرِيصًا مُجْتَهِدًا عَلَى نَفْعِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ أَبَرُّهُمْ لِعِيَالِهِ (وَ) كُنْ حَرِيصًا أَيْضًا عَلَى (هُدَاهُمْ) إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَنَجَاتِهِمْ مِنْ الْغَيِّ وَالضَّلَالَةِ، وَالْمَهْلَكَةِ وَالْجَهَالَةِ (تَنَلْ) بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِ (كُلَّ خَيْرٍ) مِنْ خَيْرِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ تَخْلِيدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَإِدَامَةِ الْعِلْمِ وَالسَّنَاءِ، وَالْقُرْبِ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَنُورِ الْبَصِيرَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ الْحَيْرَةِ مَعَ نُورِ الْيَقِينِ، وَكَشْفِ الْعَارِفِينَ، وَالتَّلَذُّذِ بِمُنَاجَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمُجَاوَرَتِهِ فِي دَارِ الْخُلْدِ السَّرْمَدِيِّ (فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ) لَا يَزُولُ أَبَدًا فِي دَارٍ لَا تَبْلَيْ ثِيَابُهَا، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهَا. وَقَدَّمْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ بَعْضَ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ الْعِلْمَ وَحَثّ عَلَى طَلَبِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ عَادَةً فِي الْغَالِبِ الْفَقْرُ حَثَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الصَّبْرِ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَاجِبٌ
وَكُنْ صَابِرًا بِالْفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَا ... بِمَا قَلَّبَ الرَّحْمَنُ وَاشْكُرْهُ تُحْمَدْ
(وَكُنْ) أَيُّهَا الْأَخُ الصَّادِقُ، وَالْحِبُّ الْوَاثِقُ، وَالْخِلُّ الْمُوَافِقُ، الدَّائِبُ فِي تَحْصِيلِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، الْبَاذِلُ وُسْعَهُ لِتَقْيِيدِ الدَّقَائِقِ وَاللَّطَائِفِ، الْمَحَافِظُ عَلَى تَخْلِيدِ الرَّقَائِقِ وَالْوَظَائِفِ (صَابِرًا) لِتَحْظَى بِالْمَعِيَّةِ، وَعَنْ سَاقِ الْجِدِّ حَاسِرًا ذَا فِطْنَةٍ أَلْمَعِيَّةٍ، لِتَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْفَخْرِ، وَتُعَدَّ مِنْ أَهْلِ الْعَزْمِ وَالصَّبْرِ.
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] وَالْآيَاتُ فِي