وَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ تَعَلَّمَ وَعَلَّمَ وَعَمِلَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ شَيْءٍ أَدْرَكَ مَنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَاتَ مَنْ أَدْرَكَ الْعِلْمَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَّحَ اللَّهِ رُوحَهُ: لَا يَخْفَى فَضْلُ الْعِلْمِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ، وَسَبَبِ الْخُلُودِ فِي النَّعِيمِ الدَّائِمِ، وَلَا يُعْرَفُ التَّقَرُّبُ إلَى الْمَعْبُودِ إلَّا بِهِ، فَهُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ إنَّمَا يَنْفَعُ حَيْثُ خَلَصْتَ فِيهِ النِّيَّةُ وَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، حَذَّرَ النَّاظِمُ مِنْ طَلَبِهِ لِأَجْلِ الْمَالِ، أَوْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فَقَالَ:
وَلَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا ... فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ
(وَلَا تَطْلُبَنَّ) أَنْتَ (الْعِلْمَ) الَّذِي هُوَ أَرْفَعُ الْمَطَالِبِ، وَأَسْنَى الْمَنَاقِبِ، وَهُوَ سُلَّمُ الْمَعْرِفَةِ، وَطَرِيقُ التَّوْفِيقِ لِنَيْلِ الْخُلُودِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ (لِ) نَيْلِ (الْمَالِ) الَّذِي مَآلُهُ إلَى التُّرَابِ، وَلِطَلَبِ عِمَارَةِ الدُّنْيَا الَّتِي سَبِيلُهَا إلَى الْخَرَابِ وَقَدْ وَصَفَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدُّنْيَا فَقَالَ: دَارٌ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ أَمِنَ غُبِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ. فِي حَلَالِهَا الْحِسَابُ، وَفِي حَرَامِهَا النَّارُ.
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: اتَّقُوا السَّحَّارَةَ، فَإِنَّهَا تَسْحَرُ قُلُوبَ الْعُلَمَاءِ.
(وَ) لَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ أَيْضًا لِ (لرِّيَا) وَالسُّمْعَةِ، فَتَحْصُلْ عَلَى الْخُسْرَانِ وَتَضْمَنْ التَّبِعَةَ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَفِيهِ «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْت