سَأَلْتُك بِاَللَّهِ عَجِّلْ عَلَيَّ بِهِ، فَانْتَبَهْت فَإِذَا بِهِ قَدْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَجَهَّزْته لِقَبْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَنَامِ فِي الْقُبَّةِ وَالْجَارِيَةُ إلَى جَانِبِهِ وَهُوَ يَتْلُو {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24] . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي قَوْلِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَخُذْ بِنَصِيبٍ إلَى آخِرِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَا يَقُومُهُ كُلَّهُ إلَّا لَيْلَةَ عِيدٍ.
هَذِهِ عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ وَقَلَّ مَنْ وَجَدْتُهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا نَامَ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ لَمْ يَبِنْ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّهَرِ. وَفِي الْغُنْيَةِ: يُسْتَحَبُّ ثُلُثَاهُ وَالْأَقَلُّ سُدُسُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كُلِّهِ عَمَلُ الْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ فَجَعَلَ لَهُمْ مَوْهِبَةً. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَامَهُ بِرَكْعَةٍ يَخْتِمُ فِيهَا. قَالَ وَصَحَّ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَمُرَادُهُ وَتَابِعِيهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَقُومُهُ كُلَّهُ وَلَا لَيَالِي الْعَشْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَحْيَا اللَّيْلَ» أَيْ كَثِيرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ.
قَالَ وَيُتَوَجَّهُ بِظَاهِرِهِ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا مَا عَلِمْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ أَيْ غَيْرَ الْعَشْرِ أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ» . قَالَ وَاسْتَحَبَّهُ شَيْخُنَا وَقَالَ: قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي كُلِّهَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِهِ كُلِّهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفُرُوعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّ نَفْسَ مُدَاوَمَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَكْرُوهَةٌ. وَعِبَارَةُ التَّنْقِيحِ: وَلَا يَقُومُهُ كُلَّهُ إلَّا لَيْلَةَ عِيدٍ، وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَجَّاوِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْقِيحِ: يَعْنِي اسْتِيعَابَ كُلِّ لَيْلَةٍ بِالْقِيَامِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، بَلْ يَقُومُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ بَعْضَهَا وَهُوَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ فِي زَمَنِنَا مِنْ كَلَامِ الْمُنَقَّحِ أَنَّهُ يَقُومُ غِبًّا.
وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ قَدْ تُوهِمُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ عِنْدَ أَحَدٍ، انْتَهَى وَالْغَايَةُ تَبَعٌ فِيهَا عِبَارَةُ الْمُنْتَهَى، وَلَمْ يُشِرْ لِخِلَافِ الْإِقْنَاعِ وَمُرَادُهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى. قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُبْدِعِ تَبَعًا لِجَدِّهِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُنْتَهَى حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ، انْتَهَى.