وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَخْبِرْنِي بِأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ» . وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَعَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ قَالَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَرْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، بِرَجُلٍ مُغَيَّبٍ فِي نُورِ الْعَرْشِ، قُلْت مَنْ هَذَا مَلَكٌ؟ قِيلَ لَا، قُلْت نَبِيٌّ؟ قِيلَ لَا، قُلْت مَنْ هُوَ؟ قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَانَ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لِوَالِدَيْهِ قَطُّ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا هَكَذَا مُرْسَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِجَمِيلِ أَوْصَافِهِ وَآلَائِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَالدُّعَاءُ سُؤَالُ الْعَبْدِ حَاجَتَهُ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ» .
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الذَّاكِرِ وَالْمُجَاهِدِ، فَإِنَّ الذَّاكِرَ الْمُجَاهِدَ أَفْضَلُ مِنْ الذَّاكِرِ بِلَا جِهَادٍ، وَالْمُجَاهِدَ الْغَافِلَ، وَالذَّاكِرَ بِلَا جِهَادٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاهِدِ الْغَافِلِ عَنْ اللَّهِ، فَأَفْضَلُ الذَّاكِرِينَ الْمُجَاهِدُونَ، وَأَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ الذَّاكِرُونَ، قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: لَوْ أَقْبَلَ عَبْدٌ عَلَى اللَّهِ كَذَا كَذَا سَنَةً ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً لَكَانَ مَا فَاتَهُ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلَهُ.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ سَاعَةٍ تَمُرُّ بِابْنِ آدَمَ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهَا إلَّا تَحَسَّرَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَذُكِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَرْفَعُهُ أَيْضًا «لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا» . وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ شَيْءٍ سِقَالَةٌ وَإِنَّ سِقَالَةَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَوْ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ»