فَحْوَى كَلَامِ النَّاظِمِ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْمُخْتَلِي قَدْ أَنِسَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، وَالْأَذْكَارِ وَالْوَظَائِفِ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ الْخَلْوَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ عَلَى عِلْمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ جَاءَ فِي مَدْحِ الْعُزْلَةِ عِدَّةُ أَخْبَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَجُمْلَةُ آثَارٍ، عَنْ السَّلَفِ الْأَخْيَارِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ» - وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «- يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِهِمَا بِلَفْظِ «أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إيمَانًا؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ وَقَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْت فِي إبِلِك وَغَنَمِك وَتَرَكْت النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ، فَضَرَبَهُ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: اُسْكُتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ الْغَنِيَّ النَّفْسِ الْقَنُوعَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ عَادَ مَرِيضًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى إمَامٍ يُعَزِّرُهُ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَغْتَبْ إنْسَانًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ» وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ «أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ هُوَ مِنْ النَّاسِ» وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَفْظُهُ: قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خِصَالٌ سِتٌّ مَا مِنْ مُسْلِمٍ