اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهُمَا، إنَّمَا جُعِلَا سَبِيلًا لِلْمُؤْمِنِينَ إلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَوَبَالًا عَلَى الْآخَرِينَ لِلْغَفْلَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَحْيُوا لِلَّهِ أَنْفُسَكُمْ بِذِكْرِهِ فَإِنَّمَا تَحْيَا الْقُلُوبُ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. كَمْ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدْ اغْتَبَطَ بِقِيَامِهِ فِي ظُلْمَةِ حُفْرَتِهِ. وَكَمْ مِنْ نَائِمٍ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدْ نَدِمَ عَلَى طُولِ نَوْمِهِ عِنْدَمَا يَرَى مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْعَابِدِينَ غَدًا. فَاغْتَنِمُوا مَمَرَّ السَّاعَاتِ وَاللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ رَحِمَكُمْ اللَّهُ.
وَعَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ قَالَ: إنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلُ تَنْزِلُهَا النَّاسُ مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ ذَلِكَ إلَى آخِرِ سَفَرِهِمْ، فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُقَدِّمَ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ زَادًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَافْعَلْ، فَإِنَّ انْقِطَاعَ السَّفَرِ عَنْ قَرِيبٍ مَا هُوَ، وَالْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَتَزَوَّدْ لِسَفَرِك وَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ مِنْ أَمْرِك فَكَأَنَّك بِالْأَمْرِ قَدْ بَغَتُّك.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «اُطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ رَبِّكُمْ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤْمِنَّ رَوْعَاتِكُمْ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إلَّا وَيُخْتَمُ عَلَيْهِ» .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ إلَّا يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ قَدْ دَخَلْت عَلَيْك الْيَوْمَ وَلَنْ أَرْجِعَ إلَيْك بَعْدَ الْيَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا تَعْمَلُ فِي، فَإِذَا انْقَضَى طَوَاهُ ثُمَّ يُخْتَمُ عَلَيْهِ فَلَا يَفُكُّ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَفُضُّ ذَلِكَ الْخَاتَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيَقُولُ الْيَوْمُ حِينَ يَنْقَضِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَنِي مِنْ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا. وَلَا لَيْلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ إلَّا قَالَتْ كَذَلِكَ» .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: إنَّ هَذَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِزَانَتَانِ فَانْظُرُوا مَا تَصْنَعُونَ فِيهِمَا. وَكَانَ يَقُولُ: اعْمَلُوا اللَّيْلَ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَاعْمَلُوا النَّهَارَ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ يَوْمٌ يَأْتِي مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إلَّا يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا