مَطْلَبٌ: فِي الْحَثِّ عَلَى الصَّبْرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ:
فَكَابِدْ إلَى أَنْ تَبْلُغَ النَّفْسُ عُذْرَهَا ... وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طَلَّاعَ أَنْجُدِ
(فَكَابِدْ) أَيْ قَاسِ فِي الطَّلَبِ. يُقَالُ كَابَدَهُ مُكَابَدَةً وَكِبَادًا قَاسَاهُ.
وَالِاسْمُ الْكَابِدُ. أَيْ فَاطْلُبْ وَجِدَّ وَاجْتَهِدْ وَقَاسِ الشَّدَائِدَ (إلَى) أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى أَقْصَى الْحَالَاتِ وَهِيَ (أَنْ تَبْلُغَ النَّفْسُ) فِي الْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ (عُذْرَهَا) فَإِنْ حَصَّلْتَ عِلْمًا كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَإِلَّا عُذِرْت فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كِفْلَيْنِ مِنْ الْأَجْرِ، وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كِفْلًا مِنْ الْأَجْرِ» .
وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
سَأَطْلُبُ عِلْمًا أَوْ أَمُوتُ بِبَلْدَةٍ ... يَقِلُّ بِهَا هَطْلُ الدُّمُوعِ عَلَى قَبْرِي
وَلَيْسَ اكْتِسَابُ الْعِلْمِ يَا نَفْسُ فَاعْلَمِي ... بِمِيرَاثِ آبَاءٍ كِرَامٍ وَلَا صِهْرِ
وَلَكِنَّ فَتَى الْفَتَيَانِ مَنْ رَاحَ وَاغْتَدَى ... لِيَطْلُبَ عِلْمًا بِالتَّجَلُّدِ وَالصَّبْرِ
فَإِنْ نَالَ عِلْمًا عَاشَ فِي النَّاسِ مَاجِدًا ... وَإِنْ مَاتَ قَالَ النَّاسُ بَالَغَ فِي الْعُذْرِ
إذَا هَجَعَ النُّوَامُ أَسْبَلْت عَبْرَتِي ... وَأَنْشَدْت بَيْتًا وَهُوَ مِنْ أَلْطَفِ الشَّعْرِ
أَلَيْسَ مِنْ الْخُسْرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا ... تَمُرُّ بِلَا عِلْمٍ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ قَوْلَ بَعْضِ السَّلَفِ: " إذَا أَتَى عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ " قَالَ: وَقَدْ رُفِعَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفْعُهُ إلَيْهِ بَاطِلٌ.
وَحَسْبُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ. قَالَ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الْقَائِلُ:
إذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى ... وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
(وَكُنْ) أَنْتَ (فِي اقْتِبَاسٍ) أَيْ اسْتِفَادَةِ (الْعِلْمِ) يُقَالُ قَبَسَ يَقْبِسُ مِنْهُ نَارًا، وَاقْتَبَسَهَا أَخَذَهَا، وَالْعِلْمُ اسْتَفَادَهُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
وَفِي حَدِيث عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «حَتَّى أُورِيَ قَبَسًا لِقَابِسٍ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ أُظْهِرَ