بِالْجَمَالِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنُطْفَتِهِ. وَبَدَأَ بِالتَّنْفِيرِ عَنْ حَسْنَاءِ الذَّاتِ قَبِيحَةِ الصِّفَاتِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: يَخْتَارُ الرَّجُلُ زَوْجَةً ذَاتَ أَصْلٍ:
وَإِيَّاكَ يَا هَذَا وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ ... سَتَرْجِعُ عَنْ قُرْبٍ إلَى أَصْلِهَا الرَّدِي
(وَإِيَّاكَ يَا هَذَا) أَيْ الْمُسْتَمِعُ لِنِظَامِي، الْمُحْتَفِلُ بِكَلَامِي، الْمُسْتَشِيرُ مِنِّي، وَالطَّالِبُ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ جِهَتِي، وَالنَّاقِلُ لَهَا عَنِّي (وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ) أَيْ احْذَرْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَلَا تَرْغَبْ فِيهَا، بَلْ ارْغَبْ عَنْهَا. وَالرَّوْضَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ نَبَاتٌ مُجْتَمِعٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي ارْتِفَاعٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَاءٍ. قَالَهُ فِي الْمَطَالِعِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الرَّوْضَةُ وَالرِّيضَةُ بِالْكَسْرِ مِنْ الرَّمْلِ وَالْعُشْبِ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ فِيهَا. وَالدِّمْنَةُ آثَارُ الدَّارِ وَالْمَوْضِعُ الْقَرِيبِ مِنْهَا وَالْجَمْعُ دِمَنٌ.
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَالْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ «إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ، قَالُوا وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ مِنْ الْمَنْبَتِ السُّوءِ» وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ. وَمَعْنَى كَلَامِ النَّاظِمِ التَّحْذِيرُ مِنْ الْبِنْتِ الْجَمِيلَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ مُتَّصِفِينَ بِغَيْرِ الْعَفَافِ، فَإِنَّ الْفُرُوعَ تَتْبَعُ الْأُصُولَ غَالِبًا.
وَلِذَا قَالَ (سَتَرْجِعُ) تِلْكَ الْبِنْتُ وَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَمُتَّصِفَةً بِالْعِفَّةِ (عَنْ قُرْبٍ) وَلَوْ تَسَتَّرَتْ بِالْعَفَافِ (إلَى أَصْلِهَا) وَمَنْبَتِهَا (الرَّدِي) غَالِبًا. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ: يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْأُصُولِ فِيمَنْ يُخَالِطُهُ وَيُعَاشِرُهُ وَيُشَارِكُهُ وَيُصَادِقُهُ وَيُزَوِّجُهُ أَوْ يَتَزَوَّجُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصُّوَرِ، فَإِنَّ صَلَاحَهَا دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ الْبَاطِنِ.
قَالَ: أَمَّا الْأُصُولُ فَإِنَّ الشَّيْءَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ. وَبَعِيدٌ مِمَّنْ لَا أَصْلَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى مُسْتَحْسَنٌ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْحَسْنَاءَ إذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ رَدِيءٍ فَقَلَّ أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمُخَالِطُ وَالصَّدِيقُ وَالْمُبَاضِعُ وَالْمُعَاشِرُ فَإِيَّاكَ أَنْ تُخَالِطَ إلَّا مَنْ لَهُ أَصْلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الدَّنَسَ، فَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ، وَإِنْ وَقَعَ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ: أَشِرْ عَلَيَّ فِيمَنْ أَسْتَعْمِلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا