وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ مِنْ آدَابِ النَّوْمِ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آدَابِ النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ التَّنَاسُلُ، وَعَمَارُ الدُّنْيَا، وَقَدَّمَ فِي صَدْرِ ذَلِكَ الْحَثَّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِأَخْذِ النَّصِيحَةِ وَالْحَزْمِ، فَإِنَّ إهْمَالَ نَصَائِحِ النُّصَّاحِ مِنْ أَقْوَى الْمُضِرَّاتِ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَالَ:
فَخُذْ لَك مِنْ نُصْحِي أُخَيَّ وَصِيَّةً ... وَكُنْ حَازِمًا وَاحْضُرْ بِقَلْبٍ مُؤَبَّدِ
(فَخُذْ لَك مِنْ) خَالِصِ (نُصْحِي) يُقَالُ نَصَحَهُ وَنَصَحَ لَهُ كَمَنَعَهُ نُصْحًا وَنَصَاحَةً وَنَصَاحِيَةً وَهُوَ نَاصِحٌ وَنَصِيحٌ، وَالِاسْمُ النَّصِيحَةُ، وَنَصَحَ خَلِصَ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى النَّصِيحَةِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ يَا (أُخَيَّ) تَصْغِيرُ أَخٍ، وَالْأُخُوَّةُ مِنْ النَّسَبِ وَالصَّدِيقِ وَالصَّاحِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا: الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ (وَصِيَّةً) مَفْعُولُ خُذْ.
وَالْوَصِيَّةُ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي أُمَمِهِمْ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَبْرَارِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَدَفَاتِرِ الْعُلَمَاءِ (وَكُنْ) أَيُّهَا الْأَخُ الْمُسَاعِدُ عَلَى نَجَاةِ نَفْسِهِ وَتَخْلِيصِهَا مِنْ الْآفَاتِ وَإِنْقَاذِهَا مِنْ التَّبَعَاتِ (حَازِمًا) أَيْ عَاقِلًا فَهِمًا ضَابِطًا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَزْمُ ضَبْطُ الْأَمْرِ وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالثِّقَةِ كَالْحَزَامَةِ وَالْحُزُومَةِ، يُقَالُ حَزُمَ كَكَرُمَ فَهُوَ حَازِمٌ وَحَزِيمٌ (وَاحْضُرْ) لِاسْتِمَاعِ وَصِيَّتِي وَتَلَقِّي مَوْعِظَتِي (بِقَلْبٍ) أَيْ بِعَقْلٍ وَفَهْمٍ وَذَوْقٍ (مُؤَبَّدِ) أَيْ قَائِمٍ مُخَلَّدٍ غَيْرِ مُتَعْتَعٍ، وَلَا مُخْتَلِجٍ، بَلْ صَامِدٌ مُتَهَيِّئٌ لِأَخْذِ مَا يُلْقَى إلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالنَّصَائِحِ.
مَطْلَبٌ: لَا يَنْكِحُ الْكَبِيرُ الشَّابَّةَ وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ
وَلَا تَنْكِحَنْ إنْ كُنْت شَيْخًا فَتِيَّةً ... تَعِشْ فِي ضِرَارِ الْعَيْشِ أَوْ تَرْضَ بِالرَّدِي
(وَلَا تَنْكِحَنْ) أَيْ لَا تَتَزَوَّجَنْ (إنْ كُنْت) أَنْتَ (شَيْخًا) أَيْ بَلَغْت سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخُونُ مَنْ اسْتَبَانَتْ فِيهِ السِّنُّ أَوْ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ إحْدَى وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ أَوْ إلَى ثَمَانِينَ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الشَّيْخُ مِنْ الْخَمْسِينَ إلَى السَّبْعِينَ، وَالشَّبَابُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ، وَالْكَهْلُ مِنْ الثَّلَاثِينَ إلَى الْخَمْسِينَ ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ إلَى السَّبْعِينَ.
وَالْهَرِمُ مِنْ