الْخَيْلِ وَيَرْكَبُونَ بِغَيْرِ رَكْبٍ وَيَنْزُونَ عَلَيْهَا نَزْوًا أَيْ يَثِبُونَ وَثْبًا لِأَنَّهُمْ يَأْلَفُونَ بِذَلِكَ الْقُوَّةَ وَالنَّشَاطَ وَالْخُشُونَةَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فَيُعْلَمُ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ وَفِيهِ «وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ» وَهَذَا يُؤَكِّدُ الْمَعْنَى الْمُشَارَ إلَيْهِ وَفِيهِ وَاخْشَوْشِنُوا.
قَالَ فِي نَظْمِ النِّهَايَةِ: وَاخْشَوْشِنُوا أَيْ: اخْشَنُوا فِي دِينِكُمْ ثُمَّ اُصْلُبُوا، فَأَفَادَنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ طَلَبَ الْخُشُونَةِ الصَّلَابَةُ فِي الدِّينِ وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا - حَسَنٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: مَا هَدْيُ عَمَّارٍ؟ قَالَ: التَّقَشُّفُ وَالتَّشْمِيسُ» .
وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَا تَتَعَوَّدْ) هَذِهِ لَا النَّاهِيَةُ وَتَتَعَوَّدُ مَجْزُومٌ بِهَا وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَةِ. أَيْ لَا تَلْتَزِمْ عَادَةً وَاحِدَةً بَلْ كُنْ مَعَ الدَّهْرِ حَيْثُ كَانَ، فَإِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْك فَلَا بَأْسَ أَنْ تُظْهِرَ أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْك مِنْ غَيْرِ كِبْرٍ وَلَا عُجْبٍ وَلَا خُيَلَاءَ، وَإِذَا تَقَلَّصَ الْعَيْشُ فَأَلْزِمْ نَفْسَك الصَّبْرَ وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَكُنْ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ تَكُنْ مِنْ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ.
وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ اللُّبْسُ لِلَّهِ فَإِنْ كَانَ جَمِيلًا يَكُونُ إظْهَارًا لِلنِّعْمَةِ، وَأَنْ يَرَى عَلَيْهِ أَثَرَهَا، وَلَا يَكُونُ سَبَبُ لُبْسِهِ أَنَّهُ غَارَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ رَأَى عَلَى غَيْرِهِ لِبَاسًا جَمِيلًا فَغَارَ مِنْهُ فَفَعَلَ مِثْلَهُ، وَلَا يَكُونُ اللُّبْسُ لِلشُّهْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ثَوْبَ الشُّهْرَةِ تَارَةً يَكُونُ غَالِيًا لَهُ قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ وَتَارَةً يَكُونُ نَازِلًا قَلِيلَ الثَّمَنِ لَهُ مَنْظَرٌ غَيْرُ حَسَنٍ وَهُمَا الشُّهْرَتَانِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُمَا، وَلَا وَجْهَ لِلْمُنَافَسَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا كُنْت عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تَعْدِلُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
فَائِدَتَانِ: (الْأُولَى) تَقَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا لَا يَرُدُّونَ مَوْجُودًا، وَلَا يَتَكَلَّفُونَ مَفْقُودًا، بَلْ كَانَتْ حَالَتُهُمْ التَّسْلِيمَ لِلْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، فَإِذَا قُدِّمَ إلَيْهِمْ الطَّيِّبُ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ تَنَاوُلِهِ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُمْ الْخَشِنُ لَمْ يَأْنَفُوا مِنْ أَكْلِهِ