مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ الْبُقْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي السَّابِلَةِ لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالْحَفْرُ فِي إحْدَاهُمَا كَالْحَفْرِ فِي الْأُخْرَى، فَيَجْرِي فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. انْتَهَى.
فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالْمُخْتَارُ مِنْ هَذَا الْمَنْقُولِ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ مَرْعِي فِي غَايَتِهِ مِنْ جَوَازِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَغَرْسِ الشَّجَرَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ حَيْثُ كَانَتَا فِي غَيْرِ بُقَعِ الْمُصَلِّينَ.
وَهَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَيْنُ الْيَقِينِ، فَإِنَّ مَسَاجِدَ بِلَادِنَا لَا تَتِمُّ مَصَالِحُهَا بِهَا لَا سِيَّمَا حَفْرُ الْآبَارِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ وَأَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ.
وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي سَائِرِ بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا فِي زَمَانِنَا، وَمُنْذُ أَزْمَانٍ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي تَجْدِيدِ الْآبَارِ، وَأَمَّا مَا كَانَ سَابِقًا فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الشَّجَرَةِ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّجْدِيدِ، وَوَضْعُ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يَثْبُتَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَضْعُهَا عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(الْخَامِسُ) : فِي أَشْيَاءَ تُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ:
يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْنُدَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ، بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ.
وَأَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ فِيهِ.
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: عَلَى خِلَافِ صِفَةِ مَا شَبَّكَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
كَذَا فِي الْإِقْنَاعِ.
وَأَشَارَ فِي الرِّعَايَةِ إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .