وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْ بَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاتٍ وَنَحْوِهَا.
وَإِنْ دَخَلَهُ اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهُ.
وَمِثْلُهُ مَنْ بِهِ بَخْرٌ وَصُنَانٌ قَوِيٌّ.
وَمِثْلُهُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ مِنْ دُبُرِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ رِيحٌ، وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ يَتَلَقَّاهُ مَلَكٌ بِفَمِهِ، وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا تَفَوَّهَ بِهِ مَاتَ الْمَلَكُ، فَهُوَ كَلَامٌ بَاطِلٌ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ يُسْنَدُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
مَطْلَبٌ: حُكْمُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُسَنُّ صَوْنُهُ عَنْ نَوْمٍ، وَعَنْهُ عَنْ نَوْمٍ كَثِيرٍ، وَعَنْهُ: إنْ اتَّخَذَهُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا كُرِهَ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا.
كَذَا أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا نَوْمُ الْمُعْتَكِفِ قَالَهُ فِي الْآدَابِ، وَاسْتَثْنَاهُ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ، وَاسْتَثْنَى الْغَرِيبَ أَيْضًا.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عُمَرَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُفَصِّلْ.
وَقَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلْمُعْتَكِفِ وَكَذَا مَا لَا يُسْتَدَامُ كَبَيْتُوتَةِ الضَّيْفِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَقَيْلُولَةِ الْمُجْتَازِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ يَعْنِي الْإِمَامَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ.
وَمَا يُسْتَدَامُ مِنْ النَّوْمِ كَنَوْمِ الْمُقِيمِ بِهِ فَعَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ، وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ.
قَالَ: وَبِهَذَا أَقُولُ انْتَهَى.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ إنَّمَا يُرَخَّصُ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسَاجِدِ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِثْلُ مَا كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ فَيُقِيمُ بِالصُّفَّةِ إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ لَهُ أَهْلٌ أَوْ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ، وَمِثْلُ الْمِسْكِينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَأْوِي إلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ تَقُمْهُ، وَمِثْلَ مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَزَبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ يَأْوِي إلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا تَقَاوَلَ هُوَ وَسَيِّدَتُنَا فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ فَنَامَ فِيهِ.
قَالَ: فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ الْيَسِيرِ وَذَوِي الْحَاجَاتِ، وَبَيْنَ مَا يَصِيرُ عَادَةً وَيَكْثُرُ وَمَا يَكُونُ لِغَيْرِ