قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ: هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُهَا الَّذِي تَجْثُمُ فِيهِ وَتَبِيضُ، كَأَنَّهَا تَفْحَصُ عَنْهُ التُّرَابَ أَيْ تَكْشِفُهُ، وَالْفَحْصُ الْبَحْثُ وَالْكَشْفُ.
خَصَّ الْقَطَاةَ بِهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَبِيضُ فِي شَجَرَةٍ وَلَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ إنَّمَا تَجْعَلُ مَجْثَمَهَا عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الطَّيْرِ، فَلِذَلِكَ شَبَّهَ بِهِ الْمَسْجِدَ، وَلِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالصِّدْقِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ إخْلَاصِ النِّيَّةِ وَصِدْقِهَا فِي الْبِنَاءِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ.
وَقِيلَ خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّرْغِيبِ بِالْقَلِيلِ مَخْرَجَ الْكَثِيرِ، كَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي شَرْحِ هَذَا الْخَبَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «إنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَتْ سَوْدَاءُ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَتْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْبِرَ بِهَا فَقَالَ أَلَا آذَنْتُمُونِي، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهَا فَكَبَّرَ عَلَيْهَا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَدَعَا لَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ»
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْقَذَى مِنْ الْمَسْجِدِ فَتُوُفِّيَتْ فَلَمْ يُؤْذَنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَاتَ لَكُمْ مَيِّتٌ فَآذِنُونِي، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَقَالَ إنِّي رَأَيْتهَا فِي الْجَنَّةِ تَلْقُطُ الْقَذَى فِي الْمَسْجِدِ» .
وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ «كَانَتْ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَتْ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرَّ عَلَى قَبْرِهَا فَقَالَ مَا هَذَا الْقَبْرُ؟ فَقَالُوا أُمُّ مِحْجَنٍ، قَالَ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ؟ قَالُوا نَعَمْ، فَصَفَّ النَّاسَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ أَيَّ الْعَمَلِ وَجَدْت أَفْضَلَ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَسْمَعُ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهَا، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَجَابَتْهُ قَمَّ الْمَسْجِدِ»