قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَيَكُونَ الْمَعْنَى لِدُخُولِ الْخَلَاءِ فِيهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَرِهَهُ لِذَلِكَ قَالَ: وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ هُنَا، وَلَمْ أَجِدْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا سِوَى هَذَا، وَهِيَ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَنُقِلَ هَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَصَوَّبَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ.
قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ كِتَابَةُ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ قَالَ لِلنَّاسِ: إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا وَنَقَشْت فِيهِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَلَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ نَقْشِهِمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ النَّاظِمِ: أَنَّ مَنْ كَانَ يَضَعُهُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَدْخُلُ بِهِ الْخَلَاءَ بَلْ يَضَعُهُ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الدُّخُولِ بِهِ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ فَلْيَجْعَلْ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، أَعْنِي إذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى، وَدَخَلَ بِهِ الْخَلَاءَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخَاتَمُ إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ يَجْعَلُهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، وَيَدْخُلُ الْخَلَاءَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْ بِهِ هَكَذَا فِي بَاطِنِ كَفِّك فَاقْبِضْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: أَوْ ذِكْرُ رَسُولِهِ، قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلَّا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا حَلَقُهُ فِضَّةٌ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لِلنَّاسِ إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشْت فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشْ أَحَدُكُمْ عَلَى نَقْشِهِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: " مُحَمَّدٌ: سَطْرٌ، وَرَسُولُ: سَطْرٌ، وَاَللَّهُ: سَطْرٌ ".