شَكَرَهُ، كَمَا تَقُولُ: لَا يُحِبُّنِي مَنْ لَا يُحِبُّك، أَيْ أَنَّ مَحَبَّتَك مَقْرُونَةٌ بِمَحَبَّتِي، فَمَنْ أَحَبَّنِي يُحِبُّك.
وَمَنْ لَا يُحِبُّك فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّنِي.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رَفْعِ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَصْبِهِ. انْتَهَى.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي لَفْظٍ آخَرَ إنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ النُّعْمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» .
وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ.
وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ".
وَقَدْ قِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَجُوسِيُّ يُولِينِي خَيْرًا فَأَشْكُرُهُ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
إنَّنِي أُثْنِي بِمَا أَوْلَيْتنِي ... لَمْ يَضِعْ حَسَنُ بَلَاءِ مَنْ شَكَرْ
إنَّنِي وَاَللَّهِ لَا أَكْفُرُكُمْ ... أَبَدًا مَا صَاحَ عُصْفُورُ الشَّجَرْ
وَقَالَ آخَرُ:
فَلَوْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ الشُّكْرِ مَا جَدَّ ... لِعِزَّةِ مُلْكٍ أَوْ عُلُوِّ مَكَانِ
لَمَا نَدَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ لِشُكْرِهِ ... فَقَالَ اُشْكُرُونِي أَيُّهَا الثَّقَلَانِ
وَلَمَّا كَانَ الشُّكْرُ يَسْتَدْعِي الْمَزِيدَ مِنْ النِّعَمِ وَالْبِرِّ وَعَدَ النَّاظِمُ الشَّاكِرَ وَالرَّاضِيَ بِالْمَثُوبَةِ وَازْدِيَادِ الرِّزْقِ وَرَغْمَ الْأَعْدَاءِ وَالْحُسَّادِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاضِي وَالشَّاكِرِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ أَيْ أَنَّ الرَّاضِيَ بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُثَابُ ثَوَابَ الرَّاضِينَ.
وَالشَّاكِرُ يَزْدَادُ رِزْقًا وَإِرْغَامًا لِلْحَاسِدِينَ.
وَهَذَا أَنْسَبُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
وَهُوَ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: الشُّكْرُ قَيْدٌ لِلنِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَصَيْدٌ لِلنِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ.
وَمِنْ كَلَامِ آخَرَ: إنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ لَعِبِ بِنِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَسْلُبَهُ إيَّاهَا.
وَقَالَ آخَرُ: كُفْرَانُ النِّعَمِ بَوَارٌ.
وَقَالَ آخَرُ: اسْتَدْعِ شَارِدَهَا بِالشُّكْرِ، وَاسْتَدِمْ رَاهِنَهَا بِلُزُومِ حُسْنِ الْجَوَارِ.