تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : لَمْ أَرَ لِمُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَاقَمِ كَلَامًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَا تَصْحِيحِهِ، وَلَا فِي الْإِنْصَافِ وَلَا فِي التَّنْقِيحِ وَلَا فِي الْمُقْنِعِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي غَايَةِ الْمَطْلَبِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى، وَذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَكَأَنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاسَهُ عَلَى السِّنْجَابِ، وَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي السِّنْجَابِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لِيَزْدَدْ أَيْ: الْقَاقِمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الثَّانِي: اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كُلُّ ذِي نَابٍ حَرَامٌ» وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَتَخُصُّ عُمُومُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالثَّعْلَبُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ذَوَاتُ أَنْيَابٍ، فَهِيَ مِنْ السِّبَاعِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْي.
وَفِي تَمْهِيدِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ السِّنْجَابَ وَالْفَنَكَ وَالسَّمُّورَ كُلُّ ذَلِكَ سَبُعٌ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَابْنِ عُرْسٍ انْتَهَى.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَبَاحَ لُبْسَ جِلْدِ الثَّعْلَبِ فَهُوَ يُبِيحُ جِلْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُشَبَّهَةٌ بِهِ مِنْ كَوْنِهَا مِثْلَهُ فِي السَّبُعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْفِرَاءَ
(الثَّالِثُ) : أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْفِرَاءَ وَالْجُلُودَ مِثْلَ السِّنْجَابِ وَالسَّمُّورِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْجُلُودِ وَلَبِسَهَا وَأَلْبَسَهَا شَيْخُ شَاهْ الْمُلَقَّبُ عِنْدَ الْعَجَمِ ييش داديان، كَانَ مَلِكًا حَكِيمًا عَادِلًا فَطِنًا، وَلَهُ كِتَابٌ عَظِيمٌ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَأَنْوَاعِ الْهَيَاكِلِ، وَجُدِّدَ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ.
وَاسْمُ كِتَابِهِ جاودان الصَّغِيرُ، وَتُرْجِمَ بِالْعَرَبِيَّةِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَارِيخِهِ: يَدُلُّ كِتَابُهُ عَلَى حِكْمَتِهِ وَدِيَانَتِهِ وَحَذَاقَتِهِ حَتَّى إنَّ الْعَجَمَ قَالَتْ بِنُبُوَّتِهِ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَرَكَ الْمُلْكَ وَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ، فَقُتِلَ فِي مَعْبَدِهِ، وَانْتَقَمَ مِنْ بَعْدِهِ طهمورث مِنْ قَتَلَتِهِ وَأَبَادَهُمْ جَمِيعًا، وَبَنَى فِي مَوْضِعِهِ مَدِينَةَ بَلْخِي.
قَالَ عَلِيٌّ دَدَهْ فِي أَوَائِلِهِ: وَكَانَ تِلْمِيذًا لِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَذَكَرَهُ فِي أُصُولِ التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.