بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ كَثْرَةِ (الْغِنَى) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ضِدُّ الْفَقْرِ، وَإِذَا فُتِحَتْ الْغَيْنُ مُدِّدَ بِهِ. وَالْغِنَاءُ كَالْكِسَاءِ مِنْ الصَّوْتِ مَا طُرِبَ بِهِ وَكَسَمَاءِ رَمْلٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْفَضْلُ وَالْقُدْرَةُ وَالْغِنَى وَالسَّعَةُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِ النَّاظِمِ: وَكُرِهَ مَعَ سَعَةِ الْغِنَى الْحَاصِلِ لَك مِنْ مِنَّةِ الْغَنِيِّ الْمُطْلَقِ (لُبْسُك) لِمَلْبُوسِ (الرَّدِيءِ) لِعَدَمِ إظْهَارِك لِأَثَرِ نِعَمِهِ عَلَيْك وَمَا بَسَطَهُ لَك مِنْ الطَّوْلِ وَوَسِعَهُ لَدَيْك.
فَإِنَّ التَّوَاضُعَ لَيْسَ هُوَ فِي اللِّبَاسِ.
كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ لَدَيْهِ تَحْقِيقٌ مِنْ النَّاسِ، بَلْ التَّوَاضُعُ وَالِانْكِسَارُ، وَالذُّلُّ وَالِافْتِقَارُ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ بِلَا إنْكَارٍ.
وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
أَجِدْ الثِّيَابَ إذَا اكْتَسَيْت فَإِنَّهَا ... زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُهَابُ وَتُكْرَمُ
وَدَعِ التَّوَاضُعَ فِي اللِّبَاسِ تَحَرِّيًا ... فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ وَتَكْتُمُ
فَدَنِيُّ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك زُلْفَةً ... عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ
وَبَهَاءُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا ... تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: سَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَخْذُ الزِّينَةِ فَقَالَ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِاسْمِ الزِّينَةِ لَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ إيذَانًا بِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْبَسَ زَيْنَ ثِيَابِهِ وَأَجْمَلَهَا فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ: وَكَانَ لِبَعْضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بِمَبْلَغٍ عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ، وَكَانَ يَلْبَسُهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: رَبِّي أَحَقُّ مَنْ تَجَمَّلْت لَهُ فِي صَلَاتِي.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ.
لَا سِيَّمَا إذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمَلَابِسِهِ وَنِعْمَتِهِ الَّتِي أَلْبَسَهُ إيَّاهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. انْتَهَى.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ ".