حَرِيرًا مُصْمَتًا، وَهَذَا هُوَ الْمُلْحَمُ، وَالْخَزُّ أَخَفُّ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَالسَّدَى أَيْسَرُ مِنْ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَوَازَهُ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ وَالسَّدَى لِلثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَزَّ ثَخِينٌ، وَالْحَرِيرَ مَسْتُورٌ بِالْوَبَرِ فِيهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشْوِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْخَزُّ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لِلْوَبَرِ الَّذِي يُنْسَجُ مَعَ الْحَرِيرِ، وَهُوَ وَبَرُ الْأَرْنَبِ، وَاسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْحَرِيرِ، وَالْوَبَرِ، وَاسْمٌ لِرَدِيءِ الْحَرِيرِ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَلَالٌ، وَالثَّالِثُ حَرَامٌ، وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُلْحَمَ، وَالْقَسِّيَّ، وَالْخَزَّ مِنْ صُوَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَجَعَلَ التَّحْرِيمَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ - لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْمُلْحَمَ، وَالْقَسِّيَّ -، وَالْإِبَاحَةَ قَوْلَ ابْنِ الْبَنَّا؛؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْخَزَّ. قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ وَلَا الدِّيبَاجُ. وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ فَإِبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْخَزِّ خِلَافًا فَقَدْ غَلِطَ، وَأَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ الْمَنْسُوجَ مِنْ الْحَرِيرِ، وَالْوَبَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْسُوجَ مِنْ الْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَذَكَرَهُ أَبُو السَّعَادَاتِ فَيَكُونُ قِسْمًا رَابِعًا. انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ النَّجْدِيُّ فِي مَعْرِضِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْحَمِ وَبَيْنَهُ، وَأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْمُلْحَمِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ إلَّا بِشَرْطِ اسْتِتَارِ الْحَرِيرِ وَظُهُورِ الْوَبَرِ، ثُمَّ إنَّ دَلَالَةَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ عَلَى مَا قَالَهُ النَّجْدِيُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. وَكَلَامُ الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى، وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ مَعَ تَأْخِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْقَيْدِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ إبَاحَةُ الْخَزِّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ لُبْسُ الصَّحَابَةِ وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. انْتَهَى.
وَأَمَّا مَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ الْحَرِيرِ وَمُشَاقَّتِهِ وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
فَإِنْ قُلْت: أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ مَا فَهِمَهُ النَّجْدِيُّ، أَوْ أَبُو الْمَوَاهِبِ؟