تَعَالَى: مَنْ تَرَكَ الْحَرِيرَ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَأَكْسَوْتُهُ إيَّاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ» وَقَوْلُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سِوَى) لُبْسِ الْحَرِيرِ (لِ) أَجْلِ (ضَنًى) أَيْ مَرَضٍ، وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ مَقْصُورًا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ضَنِيَ كَرَضِيَ ضَنًى فَهُوَ ضَنِيٌّ، وَضَنٍ كَحَرِيٍّ وَحَرٍ، مَرِضَ مَرَضًا مُخَامِرًا كُلَّمَا ظُنَّ بُرْؤُهُ نُكِسَ، وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ. انْتَهَى. اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْحَظْرِ، أَيْ حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ بَالِغٍ سِوَى لُبْسِهِ لِمَرَضٍ (أَوْ) أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ (قَمْلٍ) وَاحِدَتُهُ قَمْلَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ قَمَالٌ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ. وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ، وَالْوَسَخِ إذَا أَصَابَ ثَوْبًا أَوْ رِيشًا، أَوْ شَعْرًا حَتَّى يَصِيرَ الْمَكَانُ عَفِنًا.
قَالَ الْجَاحِظُ: وَرُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلَ الطِّبَاعِ، وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ، كَمَا «عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ اسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فَأَذِنَ لَهُمَا فِيهِ» ، وَلَوْلَا الْحَاجَةُ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
وَقِصَّةُ إبَاحَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسَ الْحَرِيرِ لِابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِثْلُ جَوَازِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِقَمْلٍ لُبْسُهُ لِأَجْلِ حَكَّةٍ، وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ يَعْنِي الْحَرِيرَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ عِنْدَهُ لَا تَعُمُّ.
(أَوْ) أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ (حَرْبِ جُحَّدِ) أَيْ كُفَّارٍ. وَالْمُرَادُ لِحَرْبِ مُبَاحٍ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ إبَاحَةِ لُبْسِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَلَوْ كَانَ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِلَا حَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَالْفَخْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَالْوُسْطَى: يُبَاحُ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.