الْإِنْسَانِ مُرَاعَاةُ الْوَسَطِ بَيْنَ الْخُشُونَةِ وَالنُّعُومَةِ، وَالرَّقِيقِ الشَّفَّافِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالصَّفِيقِ الْخَشِنِ مِنْهَا، فَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا (وَحَالٌ بَيْنَ) حَالَيْنِ (أَرْدَى وَأَجْوَدِ) فَيَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَسَطُ مُحَرَّكَةً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: أَعْدَلُهُ. قَالَ تَعَالَى {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أَيْ عَدْلًا. وَذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا، وَقَالَ: وَوَسَطُ الشَّيْءِ مُحَرَّكَةً، مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَأَوْسَطِهِ، فَإِذَا سُكِّنَتْ كَانَتْ ظَرْفًا، أَوْ هُمَا فِيمَا هُوَ مُصْمَتٌ كَالْحَلْقَةِ، فَإِذَا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَبَايِنَةً فَبِالْإِسْكَانِ فَقَطْ، أَوْ كُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ وَإِلَّا فَبِالتَّحْرِيكِ. انْتَهَى.
وَدَلِيلُ هَذَا يَعْنِي اخْتِيَارَ حَالَةِ التَّوَسُّطِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي شُؤُونٍ شَتَّى، مِثْلُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] . {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19] ، وَالْقَصْدُ مَا بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَسْأَلُهُ رَجُلٌ مَا أَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ: مَا لَا يَزْدَرِيكَ فِيهِ السُّفَهَاءُ وَيَعِيبُكَ بِهِ الْحُكَمَاءُ. قَالَ مَا هُوَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْخَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
وَفِي كِتَابِ الْغِيبَةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «شِرَارُ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ سَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ.
وَلَفْظُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي» وَهُمَا ضَعِيفَانِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُنْذِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ