ذَلِكَ، فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَرَاهِيَةُ لِبَاسِ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، لِمَا فِي كِتَابِ التَّوَاضُعِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَكِتَابِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّهْرَتَانِ؟ قَالَ: رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا، وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا، وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا، وَلَكِنْ سَدَادًا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْت: وَرَوَاهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ بِلَفْظِ «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي جَمَعَهَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا»
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ جَهْمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ مَتَى وَضَعَهُ» ؛ وَلِأَنَّ لِبَاسَ الشُّهْرَةِ رُبَّمَا يُزْرِي بِصَاحِبِهِ وَيَنْقُصُ مُرُوءَتَهُ.
وَفِي الْغُنْيَةِ لِسَيِّدِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: مِنْ اللِّبَاسِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ كُلُّ لِبْسَةٍ يَكُونُ بِهَا مُشْتَهِرًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْخُرُوجِ عَنْ عَادَةِ بَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ مَا يَلْبَسُونَ لِئَلَّا يُشَارَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ فَيُشْرِكَهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ لَهُ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَدْخُلُ فِي الشُّهْرَةِ خِلَافُ الْمُعْتَادِ مَنْ لَبِسَ شَيْئًا مَقْلُوبًا أَوْ مُحَوَّلًا كَجُبَّةٍ وَقَبَاءٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالسَّخَافَةِ وَالِانْخِلَاعِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ بَعْضِ لِبَاسِهِ فَخْرًا وَخُيَلَاءَ، وَبَطَرًا وَشُهْرَةً وَخِلَافُ زِيِّ بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ يَحْرُمُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى.