فِيمَنْ لَا يُضِيفُ» .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ، وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ النَّاطِقَةِ بِوُجُوبِ الضِّيَافَةِ.
قُلْت: وَلَا أَعْلَمُ فِي زَوَايَا الْأَرْضِ وَجِهَاتِهَا أَشَدَّ إكْرَامًا لِلضَّيْفِ وَأَكْبَرَ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ وَاعْتِنَاءً بِالضِّيَافَةِ مَا خَلَا الْأَعْرَابَ مِنْ بِلَادِنَا وَمَا حَازَاهَا، وَذَلِكَ مِنْ حُدُودِ مِصْرَ إلَى صَفَدَ، وَكَذَا بِلَادُ حُورَانَ وَعَجْلُونَ، فَإِنَّك تَلْقَى فِي كُلِّ بَلْدَةٍ بَيْتًا مُخْتَصًّا بِالضِّيفَانِ. وَأَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَبَدًا مُجْتَمَعُونَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ مُعْتَدُّونَ لِمَنْ يَنْزِلُ بِهِمْ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِمْ الضَّيْفُ أَحْضَرُوا لَهُ نُزُلَهُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِالِاهْتِمَامِ بِالِاحْتِفَالِ لَهُ وَيُكْرِمُونَهُ وَيَتَكَلَّفُونَ لَهُ مَا لَا يَتَكَلَّفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ.
ثُمَّ يُهَيِّئُونَ لَهُ بَعْدَ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ الْمَنَامَ بِالْغِطَاءِ، وَيَعْلِفُونَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ خَالِصِ الشَّعِيرِ، هَذَا لِمَنْ يَعْرِفُونَهُ وَلِمَنْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَهَذَا دَأْبُهُمْ أَبَدًا. أَغْدَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ. وَصَبَّ عَلَيْهِمْ الرَّحْمَةَ، فَإِنَّهُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ الْخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ. وَأَشَدُّ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ جَمَاعَةُ الْحَنَابِلَةِ أَتْبَاعُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ خِدْمَةً لِلضَّيْفِ وَأَكْبَرُ اهْتِمَامًا وَأَعْظَمُ احْتِرَامًا، حَتَّى إنَّهُمْ يَخُصُّونَ الضَّيْفَ بِالطَّيِّبَاتِ وَيُهَيِّئُونَهَا لَهُ.
وَفِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ لَا يَأْكُلُ أَكْثَرُ أَوْلَادِ الْكُرَمَاءِ إلَّا مَعَ الْأَضْيَافِ. وَأَعْرِفُ مَنْ لَا يَهْنَأُ لَهُ الْأَكْلُ وَحْدَهُ دَائِمًا أَبَدًا. فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِجَزِيلِ الرِّزْقِ وَكَثْرَتِهِ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ آمِينَ. .
الثَّالِثَ عَشَرَ: يَنْبَغِي لِلْمُضِيفِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ ضَيْفِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ مَعَ ضَيْفِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " مِنْ السُّنَّةِ إذَا دَعَوْتَ أَحَدًا إلَى مَنْزِلِك أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.